الصوفي عن الحسن أن قوما أتوا عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقالوا : يا أمير المؤمنين! إن لنا إماما إذا فرغ من صلاته تغنّى. فقال عمر : من هو؟ فذكر الرجل. فقال : قوموا بنا إليه فإنا إن وجهنا إليه يظن أنا تجسسنا عليه أمره. قال : فقام عمر مع جماعة من أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم حتى أتوا الرجل وهو في المسجد ، فلما أن نظر إلى عمر قام فاستقبله فقال : يا أمير المؤمنين ما حاجتك؟ وما جاء بك؟ إن كانت الحاجة لنا كنا أحق بذلك منك أن نأتيك ، وإن كانت الحاجة لك فأحق من عظمناه خليفة رسول الله صلىاللهعليهوسلم. قال له عمر : ويحك! بلغني عنك أمر ساءني. قال : وما هو يا أمير المؤمنين؟ قال : أتتمجّن في عبادتك؟ قال : لا يا أمير المؤمنين ، لكنها عظة أعظ بها نفسي. قال عمر : قلها ، فإن كان كلاما حسنا قلته معك وإن كان قبيحا نهيتك عنه. فقال :
وفؤاد كلما عاتبته |
|
في مدى الهجران يبغي تعبي |
لا أراه الدهر إلا لاهيا |
|
في تماديه فقد برّح بي |
يا قرين السوء ما هذا الصبا |
|
فني العمر كذا في اللعب |
وشباب بان عنّي فمضى |
|
قبل أن أقضي منه أربي |
ما أرجي بعده إلا الفنا |
|
ضيّق الشيب عليّ مطلبي |
ويح نفسي لا أراها أبدا |
|
في جميل لا ولا في أدب |
نفس لا كنت ولا كان الهوى |
|
راقبي المولى وخافي وارهبي |
قال : فقال عمر رضي الله عنه :
نفس لا كنت ولا كان الهوى |
|
راقبي المولى وخافي وارهبي |
ثم قال عمر : على هذا فليغن من غنى.
فتأملوا قوله : بلغني عنك أمر ساءني ، مع قوله : أتتمجن في عبادتك ، فهو من أشد ما يكون في الإنكار ، حتى أعلمه أنه يردد لسانه أبيات حكمة فيها موعظة ، فحينئذ أقره وسلم له.
هذا وما أشبه كان فعل القوم ، وهم مع ذلك لم يقتصروا في التنشيط للنفوس ولا الوعظ على مجرد الشعر ، بل وعظوا أنفسهم بكل موعظة ، ولا كانوا يستحضرون لذكر