الأشعار المغنين ، إذ لم يكن ذلك من طلباتهم ، ولا كان عندهم من الغناء المستعمل في أزماننا شيء ، وإنما دخل في الإسلام بعدهم حين خالط العجم المسلمين.
وقد بيّن ذلك أبو الحسن القرافي فقال : أي الماضين من الصدر الأول حجة على من بعدهم ، ولم يكونوا يلحنون الأشعار ولا ينغمونها بأحسن ما يكون من النغم إلا من وجه إرسال الشعر واتصال القوافي ، فإن كان صوت أحدهم أشجن من صاحبه كان ذلك مردودا إلى أصل الخلقة لا يتصنعون ولا يتكلفون ، هذا ما قال ، فلذلك نص العلماء على كراهية ذلك المحدث. وحتى سئل مالك بن أنس رضي الله عنه عن الغناء الذي يستعمله أهل المدينة ، فقال : إنما يفعله الفساق ولكن المتقدمون أيضا يعدون الغناء جزءا من أجزاء طريقة التعبد ، وطلب رقة النفوس ، وخشوع القلوب ، حتى يقصدونه قصدا ، ويتعمدون الليالي الفاضلة ، فيجتمعون لأجل الذكر الجهري ، والشطح ، والرقص ، والتغاشي والصياح ، وضرب الأقدام على وزن إيقاع الكف أو الآلات ، وموافقة النغمات.
هل في كلام النبي صلىاللهعليهوسلم وعمله المنقول في الصحاح أو عمل السلف الصالح أو أحد من العلماء أثر؟ أو في كلام المجيب ما يصرح بكلام مثل هذا؟
بل سئل عن إنشاد الأشعار بالصوامع كما يفعله المؤذنون اليوم في الدعاء بالأسحار؟ فأجاب بأن ذلك بدعة مضافة إلى بدعة ، لأن الدعاء بالصوامع بدعة وإنشاد الشعر والقصائد بدعة أخرى ، إذ لم يكن ذلك في زمن السلف المقتدى بهم.
كما أنه سئل عن الذكر الجهري أمام الجنازة ، فأجاب بأن السنّة في اتباع الجنائز الصمت والتفكر والاعتبار ، وأن ذلك فعل السلف ، واتباعهم سنّة ومخالفتهم بدعة وقد قال مالك : لن يأتي آخر هذه الأمة بأهدى مما كان عليه أولها.
وأما ما ذكره المجيب في التواجد عند السماع من أنه أثر رقة النفس واضطراب القلب ، فإنه لم يبين ذلك الأثر ما هو ، كما أنه لم يبين معنى الرقة ، ولا عرج عليها بتفسير يرشد إلى فهم التواجد عند الصوفية ، وإنما في كلامه أن ثم أثرا ظاهرا يظهر على جسم المتواجد ، وذلك الأثر يحتاج إلى تفسير ، ثم التواجد يحتاج إلى شرح بحسب ما يظهر من كلامه.