والذي يظهر في التواجد ما كان يبدو على جملة من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وهو البكاء واقشعرار الجلد التابع للخوف الآخذ بجامع القلوب ، وبذلك وصف الله عباده في كلامه حيث قال : (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ، ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللهِ) (١) وقال تعالى : (وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِ) (٢) وقال : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ، وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً) إلى قوله : (أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا) (٣).
وعن عبد الله بن الشخير رضي الله عنه قال : انتهيت إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو يصلي ، ولجوفه أزيز كأزيز المرجل ـ يعني من البكاء ـ والأزيز صوت يشبه صوت غليان القدر. وعن الحسن قال : قرأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه : (إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ* ما لَهُ مِنْ دافِعٍ) (٤) فربى لها ربوة (٥) ، عيد منها عشرين يوما. وعن عبيد الله بن عمر ، قال : صلى بنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه صلاة الفجر ، فافتتح سورة يوسف فقرأها حتى إذا بلغ : (وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ) (٦) بكى حتى انقطع. وفي رواية لما انتهى إلى قوله : (إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ) (٧) بكى حتى سمع نشيجه من وراء الصفوف. وعن أبي صالح قال : لما قدم أهل اليمن في زمان أبي بكر رضي الله عنه سمعوا القرآن فجعلوا يبكون ، فقال أبو بكر : هكذا كنا حتى قست قلوبنا. وعن ابن أبي ليلى أنه قرأ سورة مريم حتى انتهى إلى السجدة (خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا) (٨) فسجد بها ، فلما رفع رأسه قال : هذه السجدة قد سجدناها فأين البكاء؟ إلى غير ذلك من الآثار الدالة على أن أثر
__________________
(١) سورة : الزمر ، الآية : ٢٣.
(٢) سورة : المائدة ، الآية : ٨٣.
(٣) سورة : الأنفال ، الآيات : ٢ ـ ٤.
(٤) سورة : الطور ، الآيتان : ٧ ـ ٨.
(٥) ربا الجرح : ورم ، والربوة : الشدة الزائدة.
(٦) سورة : يوسف ، الآية : ٨٤.
(٧) سورة : يوسف ، الآية : ٨٦.
(٨) سورة : مريم ، الآية : ٥٨.