خشية الله فقعدت معهم ، فقال : لا تقعد بعدها ، فرآني كأنه لم يأخذ ذلك فيّ فقال : رأيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يتلو القرآن ، ورأيت أبا بكر وعمر يتلوان القرآن ، فلا يصيبهم هذا ، أفتراهم أخشع لله من أبي بكر وعمر؟ فرأيت ذلك كذلك فتركتهم ، وهذا بأن ذلك كله تعمّل وتكلف لا يرضى به أهل الدين.
وسئل محمد بن سيرين ، عن الرجل يقرأ عنده فيصعق ، فقال : ميعاد ما بيننا وبينه أن يجلس على حائط ثم يقرأ عليه القرآن من أوله إلى آخره ، فإن وقع فهو كما قال.
وهذا الكلام حسن في المحق والمبطل ، لأنه إنما كان عند الخوارج نوعا من القحة في النفوس المائلة عن الصواب ، وقد تغالط النفس فيه فتظنه انفعالا صحيحا وليس كذلك ، والدليل عليه أنه لم يظهر على أحد من الصحابة لا هو ولا ما يشبهه ، فإن مبناهم كان على الحق ، فلم يكونوا يستعملون في دين الله هذه اللعب القبيحة المسقطة للأدب والمروءة.
نعم قد لا ينكر اتفاق الغشي ونحوه أو الموت لمن سمع الموعظة بحق فضعف عن مصابرة الرقة الحاصلة بسببها ، فجعل ابن سيرين ذلك الضابط ميزانا للمحق والمبطل وهو ظاهر ، فإن القحة لا تبقى مع خوف السقوط من الحائط ، فقد اتفق من ذلك بعض النوادر وظهر فيها عذر التواجد.
فحكي عن أبي وائل ، قال : خرجنا مع عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ومعنا الربيع ابن خيثمة فمررنا على حداد ، فقام عبد الله ينظر إلى حديدة في النار ، فنظر الربيع إليها فتمايل ليسقط ، ثم إن عبد الله مضى كما هو حتى أتينا على شاطئ الفرات على أتون فلما رآه عبد الله والنار تلتهب في جوفه قرأ هذه الآية : (إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً) إلى قوله : (دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً) (١) فصعق الربيع ، يعني : غشي عليه. فاحتملناه فأتينا به أهله ـ قال ـ ورابطه عبد الله إلى الظهر فلم يفق ، فرابطه إلى المغرب فأفاق ، ورجع عبد الله إلى أهله.
فهذه حالات طرأت لواحد من أفاضل التابعين بمحضر صحابي ، ولم ينكر عليه لعلمه أن ذلك خارج عن طاقته ، فصار بتلك الموعظة الحسنة كالمغمى عليه ، فلا حرج إذا.
__________________
(١) سورة : الفرقان ، الآيتان : ١٢ ـ ١٣.