الله صلىاللهعليهوسلم ، ولكنه بدعة وباطل ومنكر فاعلم ذلك. انتهى كلامه. وهو واضح فيما نحن فيه.
ولا بدّ من النظر في الأمر كله الموجب للتأثر الظاهر في السلف الأولين مع هؤلاء المدعين ، فوجدنا الأولين يظهر عليهم ذلك الأثر بسبب ذكر الله ؛ أو بسماع آية من كتاب الله ، وبسبب رؤية اعتبارية ـ كما في قصة الربيع عند رؤيته للحداد والأتون وهو موقد النار ـ ولسبب قراءة في صلاة أو غيرها ، ولم نجد أحدا منهم ـ فيما نقل العلماء ـ يستعملون الترنم بالأشعار لترق نفوسهم ، فتتأثر ظواهرهم وطائفة الفقراء على الضد منهم ، فإنهم يستعملون القرآن والحديث والوعظ والتذكير فلا تتأثر ظواهرهم ، فإذا قام المزمر تسابقوا إلى حركاتهم المعروفة لهم ، فبالحريّ ألا يتأثروا على تلك الوجوه المكروهة المبتدعة. لأن الحق لا ينتج إلا حقّا كما أن الباطل لا ينتج إلا باطلا.
وعلى هذا التقرير ينبني النظر في حقيقة الرقة المذكورة ، وهي المحركة للظاهر ، وذلك أن الرقة ضد الغلظ ، فنقول : هذا رقيق ليس بغليظ ، ومكان رقيق إذا كان لين التراب ، ومثله الغليظ ، فإذا وصف بذلك فهو راجع إلى لينه وتأثره ضد القسوة ، ويشعر بذلك قوله تعالى : (ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللهِ) (١) لأن القلب الرقيق إذا أوردت عليه الموعظة خضع لها ولان وانقاد ، ولذلك قال تعالى : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) (٢) ؛ فإن الوجل تأثر ولين يحصل في القلب بسبب الموعظة ، فترى الجلد من أجل ذلك يقشعر ، والعين تدمع ، واللين إذا حلّ بالقلب ـ وهو باطن الإنسان ـ حل بالجلد بشهادة الله ـ وهو ظاهر الإنسان ـ فقد حل الانفعال بمجموع الإنسان ، وذلك يقتضي السكون لا الحركة ، والانزعاج والسكون لا الصياح ، وهي حالة السلف الأولين ـ كما تقدم ـ فإذا رأيت أحدا سمع موعظة أيّ موعظة كانت فيظهر عليه من الأثر ما ظهر على السلف الصالح ، علمت أنها رقة هي أول الوجد ، وأنها صحيحة لا اعتراض فيها.
__________________
(١) سورة : الزمر ، الآية : ٢٣.
(٢) سورة : الأنفال ، الآية : ٢.