سحوره وغيره ، فالبوق ما شأنه؟ وقد كرهه عليه الصلاة والسلام ، ومثله النار التي ترفع دائما في أوقات الليل وبالعشاء والصبح في رمضان أيضا ، إعلاما بدخوله ، فتوقد في داخل المسجد ثم في وقت السحور ، ثم ترفع في المنار إعلاما بالوقت ، والنار شعار المجوس في الأصل.
قال ابن العربي : أول من اتخذ البخور في المسجد بنو برمك يحيى بن خالد ومحمد بن خالد ـ ملكهما الوالي أمر الدين فكان محمد بن خالد حاجبا ويحيى وزيرا ثم ابنه جعفر بن يحيى ـ قال : وكانوا باطنية يعتقدون آراء الفلاسفة ، فأحيوا المجوسية ، واتخذوا البخور في المساجد ـ وإنما تطيب بالخلوق ـ فزادوا التجمير ويعمرونها بالنار منقولة حتى يجعلوها عند الأندلس ببخورها ثابتة. انتهى.
وحاصله : أن النار ليس إيقادها في المساجد من شأن السلف الصالح ، ولا كانت مما تزين بها المساجد البتة ، ثم أحدث التزين بها حتى صارت من جملة ما يعظم به رمضان ، واعتقد العامة هذا كما اعتقدوا طلب البوق في رمضان في المساجد ، حتى لقد سأل بعض عنه : أهو سنّة أم لا؟ ولا يشك أحد أن غالب العوام يعتقدون أن مثل هذه الأمور مشروعة على الجملة في المساجد ، وذلك بسبب ترك الخواص الإنكار عليهم.
وكذلك أيضا لما لم يتخذ الناقوس للإعلام ، حاول الشيطان فيه بمكيدة أخرى فعلق بالمساجد واعتد به في جملة الآلات التي توقد عليها النيران وتزخرف بها المساجد ، زيادة إلى زخرفتها بغير ذلك ، كما تزخرف الكنائس والبيع.
ومثله إيقاد الشمع بعرفة ليلة الثامن ، ذكر النووي أنها من البدع القبيحة ، وأنها ضلالة فاحشة جمع فيها أنواع من القبائح ، منها إضاعة المال في غير وجهه ، ومنها إظهار شعائر المجوس ، ومنها اختلاط الرجال والنساء والشمع بينهم ووجوههم بارزة ، ومنها تقديم دخول عرفة قبل وقتها المشروع ا ه.
__________________
ـ الإشارة في الطلاق والأمور ، وأخرجه في كتاب : خبر الواحد ، باب : ما جاء في إجازة الخبر الواحد (الحديث : ٢ / ٨٦). وأخرجه مسلم في كتاب : الصيام ، باب : بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر (الحديث : ١٠٩٣). وأخرجه أبو داود في كتاب : الصوم ، باب : وقت السحور (الحديث : ٢٣٤٧). وأخرجه النسائي في كتاب : الصوم ، باب : كيف الفجر (الحديث : ٤ / ١٤٨).