بذلك ـ إلى أن قال لعلي والعباس : أفتلتسمان مني قضاء غير ذلك؟ فو الله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض لا أقضي فيها قضاء غير ذلك حتى تقوم الساعة ـ إلى آخر الحديث.
وترجم البخاري في هذا المعنى ترجمة تقتضي أن حكم الشارع إذا وقع وظهر فلا خيرة للرجال ولا اعتبار بهم ، وأن المشاورة إنما تكون قبل التبيين ، فقال : باب قول الله تعالى : (وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ) (١) (وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) (٢) وأن المشاورة قبل العزم والتبيين لقوله تعالى : (فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) (٣) فإذا عزم الرسول لم يكن لبشر التقدّم على الله ورسوله. وشاور النبي صلىاللهعليهوسلم أصحابه يوم أحد في المقام والخروج ، فرأوا له الخروج ، فلما لبس لأمته قالوا : أقم ، فلم يمل إليهم بعد العزم ، وقال : «لا ينبغي لنبي يلبس لأمته فيضعها حتى يحكم الله». وشاور عليّا وأسامة فيما رمى به أهل الإفك عائشة رضي الله عنها ، فسمع منهما حتى نزل القرآن فجلد الرامين ولم يلتفت إلى تنازعهم ، ولكن حكم بما أمره الله.
وكانت الأئمة بعد النبي صلىاللهعليهوسلم يستشيرون الأمناء من أهل العلم في الأمور المباحة ليأخذوا بأسهلها ، فإذا وقع في الكتاب والسنّة ، لم يتعدوه إلى غيره ، اقتداء بالنبي صلىاللهعليهوسلم ورأى
__________________
ـ وأخرجه في كتاب : الجهاد ، باب : ومن يترس بترس صاحبه ، وأخرجه في كتاب : المغازي ، باب : حديث بني النضير ومخرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم إليهم في دية الرجلين ، وأخرجه في كتاب : تفسير سورة الحشر ، باب : قوله تعالى : (ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ) ، وأخرجه في كتاب : النفقات ، باب : حبس الرجل قوت سنة على أهله ، وأخرجه في كتاب : الاعتصام ، باب : ما يكره من التعمق والتنازع في العلم والغلو في الدين والبدع (حديث : ١٢ / ٤ ، ٥). وأخرجه مسلم في كتاب : الجهاد ، باب : حكم الفيء (الحديث : ١٧٥٧). وأخرجه الترمذي في كتاب : السير ، باب : ما جاء في تركة رسول الله صلىاللهعليهوسلم (الحديث : ١٦١٠). وأخرجه أبو داود في كتاب : الخراج والإمارة ، باب : في صفايا رسول الله صلىاللهعليهوسلم من الأموال (الحديث : ٢٩٦٣). وأخرجه النسائي في كتاب : الفيء (الأحاديث : ٧ / ١٣٦ ، ١٣٧).
(١) سورة : الشورى ، الآية : ٣٨.
(٢) سورة : آل عمران ، الآية : ١٥٩.
(٣) سورة : آل عمران ، الآية : ١٥٩.