أن مجرد رواية أحد علمائهم لها كاف في صحتها ، كما عرفت وجهه في مقدّمة الكتاب ؟! وهل يليق مثلها في بلاغتها وسوقها بغير سيد الوصيين ؟
ويرد على الثاني : وهو معارضتها بما زعم تواتره أنه ليس في أخبارهم ما يدلّ على أنه بايع طائعاً راغباً ــ فضلاً عن تواتره ــ سوى النادر ، كرواية ذكرها الطبري في تأريخيه (١) رواها بسند واءٍ ، ومتن مُضْحِك ، عن حبيب بن أبي ثابت ، قال : «كان عليّ في بيته إذ أتي ، فقيل له : قد جلس أبو بكر للبيعة ، فخرج في قميص ما عليه إزار ولا رداء عجلاً كراهية أن يبطئ عنها ، حتى بايعه ، ثم جلس إليه وبعث إلى ثوبه فأتاه فتجلّله ولزم مجلسه (٢) .
وإنّي لأعجب من الطبري كيف يروي مثل هذا الحديث الهزلي ؟
وهو قد روى قبله أخباراً كثيرة تدلّ على أنه ما بايع إلا قهراً ، التي في بعضها ــ وقد أتى إلى منزل علي ــ : والله لأُحَرِّقن عليكم أو لتخرجن إلى البيعة (٣) .
وأصح ما عندهم ــ بزعمهم ــ ما رواه البخاري في غزوة خيبر : «إنّ علياً استنكر وجوه الناس لما توفيت فاطمة ، فالتمس مصالحة أبي بكر» (٤) .
و هو ــ مع أن سنده لم يشتمل إلا على عدوّ لأمير المؤمنين ؛ كعروة بن الزبير وعائشة ــ أقرب إلى الدلالة على الخوف ، وأنه لم يبايع طائعاً راغباً ، ولو ادعى المتتبع المنصف تواتر أخبارهم ــ فضلاً عن أخبارنا ــ بأنه لم
__________________
(١) ص : ٢٠١ ج ٣ . منه قدسسره .
(٢) تاريخ الطبري ٢ / ٢٣٦.
(٣) انظر : تاريخ الطبري ٢ / ٢٢٣ وما بعدها.
(٤) صحيح البخاري ٥ / ٢٨٨ ضمن ح٢٥٦.