ففي مسألة الغناء قد ظهر في العرف الجديد تخصيصه بما لم يكن في قران أو تعزية أو ذكر أو دعاء أو أذان أو مدح النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم والأئمّة عليهمالسلام.
وقد علم من تتبّع كلمات أهل اللغة ، وأحوال الأُمويّين والعبّاسيين وإبراهيم شيخ المغنّين ، أنّ الكثير أو الأكثر أو الأحقّ في تسميته غناءً ما كان في القرآن ومدح النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم.
ولا يعرف في أيّامهم الفرق من جهة ذوات الكلمات ، وإنّما المدار على كيفيّات الأصوات ، وهو الظاهر من كلام أهل اللغة ، قدمائهم ومتأخّريهم ، ممّن عاصر زمان ورود النهي أو تقدّمه أو تأخّر عنه (١).
وما رأينا أحداً منهم أخذ قيد عدم القرآنيّة والمدح والذمّ ونحوها فيه. ولم يذكر بينهم خلاف في معناه ، مع اختلاف عباراتهم ؛ فما ذلك إلا لاتّحاد المعنى العرفي ، والإشارة إليه ، والمسامحة في التعريف بالأعمّ أو الأخصّ. فمدار تحقّق الغناء وخلافه على كيفيّات الأصوات ، من غير ملاحظة لذوات الكلمات.
فقد ظهر خطأ العرف الجديد الذي هو بمنزلة المرأة الكاشفة عن العرف القديم ، كما أخطأ بديهةً في تخصيص اسم الغناء بغير الجاري على وفق العربيّة والفصاحة. وليس هذا بأوّل قارورة كُسرت في الإسلام ؛ فقد أخطأ في كثير من المقامات.
فلا يحمل لفظ الغناء على المعنى الجديد ؛ كما لا تحمل ألفاظ التربة ؛ (٢) ، والقهوة ، واللبن ، والنهر والكرّ ، والبحر ، والحجر ، والساعة والكعب والمئزر ، والمثقال ، والوزنة ، والرطل ، والأوقية ، والفرسخ ، والسيّد ، والمؤمن ، والفاسق ونحوها على المعاني الجديدة ؛ لأنّها إن نقلت أو غلط العرف فيها لا يحمل لفظ زمن الخطاب عليها.
وأمّا الصدق باعتبار المبادئ كصفة الكافر والمؤمن ، والعدل والفاسق وجميع مبادئ المشتقّات وجميع العنوانات فيتبع حال الاتّصاف والحكم يدور مداره.
__________________
(١) القاموس المحيط ٤ : ٣٧٤ ، لسان العرب ١٥ : ١٣٦ ، معجم مقاييس اللغة ٤ : ٣٩٨ ، مجمع البحرين ١ : ٣٢١.
(٢) في «م» : السريّة.