وما رووا تواتره في عصرهم عن أئمّتهم أو عن أصحابهم أو أصحاب أئمّتهم لا يقتضي تواتره عندنا.
إنّما التواتر فيما تكثّرت نقلته ، بحيث أمن كذبهم تعمّداً واشتباهاً في كتب متعدّدة ، أو على ألسن متعدّدة يحصل معها الأمن من ذلك ، مع حصول ذلك في تمام الطبقات كالكتب الأربعة ، ونظيرها من كتب القدماء.
فإنّ تواترها عنهم بالنسبة إلينا في الجملة لا في خصوص الكلمات وأبعاض الروايات ممّا لا شبهة فيه ولا شكّ يعتريه ، فلا قطع من جهة التواتر قطعاً بصدور آحاد تلك الأخبار عن الأئمّة الأطهار.
وأمّا من جهة القرائن فهي غير مفيدة للعلم ؛ لكثرة الكذّابة على نبيّنا وأئمّتنا ، كما روي عنهم (١) ، واختلاط أخبارهم المرويّة عنهم صدقها بكذبها.
فوجب على العلماء في عملهم (٢) تبيينها ، ليعرف غثّها من سمينها ، فتوجّه لتصحيحها خلفهم بعد سلفهم ، على وجه تركن النفس إلى العمل بها ؛ وإلا فالعلم عزيز لا يحصل إلا في أقلّ القليل منها.
وعلى تقدير حصول العلم لهم لا يلزم حصوله لنا ، لنفي العصمة عنهم ، وجواز وقوع الخطأ منهم في المسموع من الرواة السابقين ، أو من الأئمّة الهداة المهديين.
وبعد جواز التصرّف في المباني ، والاكتفاء بنقل المعاني يجوز عليهم الخطأ في مفهوماتهم ، فضلاً عن مسموعاتهم ، بالنسبة إلى جميع الطبقات المتقدّمة عليهم ، أو إلى أئمّتنا صلوات الله عليهم. ولو منعنا من النقل بالمعنى أغنى احتمال تجويزهم له.
ثمّ كيف يحصل لنا العلم بتقليدهم في معرفة أحوال الرجال ، ومعرفة المضمرات والموقوفات ، وتمييز المشتركات ، وسلامة السند من ترك بعض الطبقات ، ومن غلط الكتّاب ، وفي الاعتماد في ذلك على الكتاب ؛ فإنّ علمهم لا يؤثّر في علمنا ، وقطعهم
__________________
(١) انظر الكافي ١ : ٦٢ ح ١ ، ونهج البلاغة : ٣٢٥ الخطبة ٢١٠ ، والوسائل ١٨ : ٧٩ أبواب صفات القاضي ب ٩ ح ١٥ والبحار ٢ : ٢١٧ ح ١١ ، ١٢ ، ١٤ وكنز العمال ١٠ : ٢٢٢ ح ٢٩١٧١.
(٢) في «ح» : علمهم.