بقوله : كنت جعيفراً ، ثمّ صرت جعفراً ، ثمّ الشيخ جعفر ، ثمّ شيخ العراق ، ثمّ رئيس الإسلام ؛ وبكائه وتذلّله ، لرأيته من الذين وصَفَهم أمير المؤمنين عليهالسلام من أصحابه للأحنف بن قيس. ومع ما اشتهر من كثرة أكله وإن كان «رحمهالله» ما كان يأكل إلا الجشب ولا يلبس الله الخشن فلا تورثه الملل والكسل ، عمّا كان عليه من التضرّع والإنابة والسهَر.
وإن تفكّرت في بذله الجاه العظيم الذي أعطاه الله تعالى من بين أقرانه ، والمهابة والمقبوليّة عند الناس على طبقاتهم من الملوك والتجّار والسوَقَة للفقراء والضعفاء من المؤمنين ، وحضّه على طعام المسكين ، لرأيت شيئاً عجيباً ، وقد نقل عنه في ذلك مقامات وحكايات لو جمعت لكانت رسالة طريفة نافعة (١).
٥ ـ وقال العلّامة السيّد محسن الأمين العاملي في كتابه أعيان الشيعة :
قد انتهت إليه رئاسة الإماميّة الدينيّة في عصره والزمنيّة في قطرة ، فهو الفقيه الأكبر مفتي الإماميّة ، رجع إليه الناس وأخذوا عنه ، ورأس بعد وفاة شيخه السيّد مهدي بحر العلوم الطباطبائي سنة (١٢١٢ ه ق) واشتهر باعتدال السليقة في الفقه ، وقوّة الاستنباط من الأدلّة ، فكان أُعجوبة في الفقه ، ولقوّة استنباطه اشتهر من باب الملح أنّ الشيخ جعفر عنده دليل زائد ، وهو دليل الشمّ ، وكان مع ذلك أديباً شاعراً (٢).
٦ ـ وقال المحقّق الصمداني الآقا بزرك الطهراني في كتابه الكرام البررة : هو شيخ الطائفة جعفر الشهير بالشيخ الأكبر. زعيم الإماميّة الميمون ، ومرجعها الأعلى في عصره ، ومن فطاحل فقهاء الشيعة إلى أن قال : والحقّ أنّه من الشخصيّات العلميّة النادرة المثيل ، وأنّ القلم لقاصر عن وصفه وتحديد مكانته ، وإن بلغ في التحليل وفي شهرته وسطوع فضله غِنى عن إطراء الواصفين ، وقد ارتوى الكلّ من نمير فضله ، واعترف الجميع بغزارة علمه وتقدّمه وتبحّره ورسوخ قدمه في الفقه ، وماثره الجمّة كفيلة بالتدليل على ذلك.
وأمّا الرئاسة ، فقد بلغ المترجم ذُروَتها. فقد كان مطاعاً معظّماً محبوباً مقدراً ، امتدّ نفوذه وسمت مكانته ، فأفاض العلم ونشر الدعوة الإسلاميّة وأقام معالم الدين وشاد دعائمه. وكان أمراء آل عثمان يرمقونه بعين التعظيم والإكبار ، وبذلك كانت له الموفّقيّة بالحصول على غايات
__________________
(١) مستدرك الوسائل ٣ : ٣٩٨ ٣٩٧.
(٢) أعيان الشيعة ٤ : ١٠٠.