الأمران في ثالث ، وهو حرفان : الواو بمعنى مع ، وإلا في الاستثناء (١). فإن الواو إذا تقدمها فعل أو معناه ولم يحسن حملها على العطف نصبت ، كنحو ما صنعت وأباك ، وما شأنك وعمرا ، واذا لم يتقدم ذلك لم تنصب نحو : كيف أنت وزيد ، فيمن لا يؤوله على : كيف تكون أنت ، وهم الأكثرون ، وعلى مذهب القليل جاء : ما أنا والسير في متلف ، وإذا تقدم مع حسن العطف جاز الأمران ، وإن افتر العطف عن الرجحان.
هذا كله عند من لا يقصر النصب بالواو على السماع ، ويسمى هذا المنصوب مفعولا معه. وإلا إذا تقدمها كلام عار عن النفي والنهي والاستفهام ، ويسمى موجبا ، وفيه المستثنى منه : ويسمى تامّا ، والموجب في الاستثناء لا يكون إلا كذلك ، ونصبت كنحو : جاءني القوم إلا زيدا ، وغير الموجب في هذا الباب إذا تنزل منزلة الموجب أخذ حكمه ، ولذلك تراهم في تثنية المستثنى قائلين : ما أتاني إلا عمرو ، إلّا زيدا ، أو إلا زيدا إلا عمرو بالنصب لغير المسند إليه ألبتة ، لتنزيل ما أتاني مع مرفوعه منزلة ، تركني القوم لا غير ، ولا يثنون الاستثناء إلّا على ما ترى من التقدير ، فإذا لم يتم لم تنصب ، بل كان حكم ما بعدها في الإعراب كحكمه قبل دخول إلّا ، كنحو : ما جاءني إلا زيد ، وما رأيت إلا زيدا ، وما مررت إلّا بزيد. وكذا ما جاء زيد إلّا راكبا ، فإذا تم في غير الموجب ، ولم يكن ما بعدها جملة مثلها في : ما مررت بأحد إلا زيد خير منه ، ونشدتك بالله ، أو أقسمت عليك ، أو عزمت عليك إلا فعلت كذا ، إذ مرادهم بما قبل إلّا ههنا النفي ، وهو ما أطلب منك ، جاز أن تنصب ، وأن تشرك المستثنى في إعراب المستثنى منه ، ويسمى هذا بدلا ، ويكون هو المختار كنحو : ما جاءني أحد إلا زيدا ، وإلّا زيد ، اللهم إلّا عند الانقطاع في اللغة الحجازية ، أو تقديم المستثنى على صفة المستثنى منه عند بعض ، أو تقديمه على نفس المستثنى منه عند الجمهور.
فالبدل يمتنع كنحو : ما جاءني أحد إلا حمارا ، وما جاءني أحد إلا زيدا ظريف ،
__________________
(١) الكتاب (٢ / ٣٠٩ ـ ٣٥٠) ، والمفصل (٣١).