وأما ظهور إعرابه ؛ فلأنه الأصل في الإعراب ، كما سبق ، وأما استكنانه فالعلة فيه إما الضرورة ، وذلك في رفعه ونصبه عند الألف كنحو : يخشاك ، لامتناع الألف عن التحريك ، وإما الاجتناب عن تضاعف الثقل ، وذلك في رفعه عند الواو والياء ، كنحو : يغزو ويرمي ، على ما عرف في علم الصرف.
وقد اندرج في هذا استكنان الرفع والجر في الأسماء في نحو : القاضي.
وأما الزيادة ، وذلك في رفعه بعد ألف الضمير وواوه ويائه ، فلما قدمنا أن الفعل المضارع ، لمضارعته استحق الإعراب ، ومعلوم أن مضارعته بلحوق هذه الضمائر إياه لا تزول ، وحيث كانت ، أعني هذه الضمائر ، حروفا ميتة لا تتحرك ، ومدات [ماسا](١) جارية لذلك مجرى النفس الساذج ، غير عارض لها ذلك ، فقصرت عن بلوغ حد النون في : يضربن ، ولم تنته إلى درجة ياء الإضافة في الأسماء لا أقل ، فلم يثبت لها حكم جانب ، لم تدخل في باب المنع ، فبقيت له اليد الطولى في اكتساء الإعراب ، لكن إعرابه بغير الحرف حيث كان ، يغصب في الرفع والنصب حق المدات في القرار على هيآتها ؛ لوجوب اتباع المدة حركة ما قبلها. وفي الجزم حقها في الثبوت لامتناع سكون ما قبل المدة جعل بالحرف ؛ تحاشيا عن ذلك ، ثم لما امتنع الحرف أن يكون مدة على أصل القياس في باب الزيادة ، لامتناع اجتماع المدتين ، جعل النون لقربه منها باحتمال المدة واللين ، والخفاء ، واعتباره غنة يشهد لذلك ، ولاتحاد المدات بالفعل اقتضى القياس تأخيره ، ولحصول الصورة إذ ذاك على شكل المثنى والمجموع ، اختير الكسر للنون بعد الألف ، مع العمل بأصل تحريك الساكن والفتح له بعد أختيها ، مع الاجتناب عن الجمع بين الكسر وبينهما ، وحيث كان يجب اعتبار الرفع ابتداء على ما سبق عين له.
وأما الجزم ، فلما لم يكن في إعراب أصله الذي هو متطفل عليه بحكم المضارعة ، جعل كأن ليس بإعراب ، فلم يتكلف له عند فواته حرف يقوم مقامه هذا ، على أن حقه هو الترك فوفيه بذلك ، ثم لما كان الجزم في الأفعال نظير الجر في الأسماء ، وكانت
__________________
(١) في (غ): (ملسا)