النظرية النقدية التي لا يريد أن تطبق بتلك الطريقة التقسيمية المنطقية الصارمة التي قام بها السكاكي ، بقدر ما يريد اعتبارها ووضعها في الحسبان عند نقد النصوص ، بحيث يعرف الناقد مواقع الحسن التي ترجع إلى اللفظ ، كالاستعارة والكناية ونحوهما ، ومواضعه التي ترجع إلى النظم من تقديم وتأخير وحذف وذكر وغير ذلك مما يتوخى فيه معاني النحو.
فعبد القاهر لم يرد البتة بهذه النظرية أن تكون أساسا لتقسيم علوم البلاغة تلك القسمة المنطقية الصارمة ، وإلا ـ لو أراد ذلك ـ لفعله هو بنفسه ، ومثل عبد القاهر لا تنقصه الإمكانات التي تمكنه من إنفاذ ذلك التقسيم ـ لو أراده ـ على نحو أفضل من تقسيم السكاكي.
وهنا قد يتساءل القارئ ، فيطرح سؤالا له وجاهته ، وهو إذا كان تقسيم السكاكي وعرضه لعلوم البلاغة منتقدا على هذا النحو ، فما هو العرض البديل الذي ينبغي تناول البلاغة من خلاله ، والذي يعين على لم شعثها ، وجمع شتاتها؟.
ولما لم أر أحدا من المتأخرين بعد السكاكي قد أتى في ذلك بشيء يعوّل عليه ؛ لذا فقد تجشمت ذلك الأمر لأهميته ؛ ولكونه قد صار في حق أمثالي ـ ممن انتصب لتدريس تلك المادّة ـ فرض عين ، وإلا فكيف نكرر على أسماع طلابنا نقد ذلك التقسيم ، وذلك العرض الذي عرضه السكاكي لعلوم البلاغة ، ثم لا نحاول محاولة جادّة تقديم بديل صالح للاستغناء عنه ، فإن هذا يعد دليلا ضمنيا بصحة ذلك التقسيم والعرض السكاكي لعلوم البلاغة ، ولما كان ذلك العرض السكاكي كالمجمع على رفضه والاعتراض عليه بين الباحثين ، وكان تقديمهم له واستعماله من باب الضرورة لحين ظهور البديل له ، فها نحن نقدم أطروحتنا لعرض بديل ، وخطة جديدة ، لا أزعم أنها هي الخطة المثلى للدرس البلاغي ، بقدر ما أزعم أنها مجرد محاولة للإصلاح ، أرجو من ورائها تخليص الدرس البلاغي من عثراته ، وإعانته على أداء رسالته الكبرى.