بين نحو : السماء والأرض ، والسهل والجبل ، والأول والثاني ، فإن الوهم ينزل المتضادين والشبيهين بهما منزلة المتضايفين ، فيجتهد في الجمع بينهما في الذهن ، ولذلك تجد الضد أقرب خطورا بالبال مع الضد.
والخيالي : هو أن يكون بين [تصوراتهما](١) تقارن في الخيال سابق لأسباب مؤدية إلى ذلك ، فإن جميع ما يثبت في الخيال ، مما يصل إليه من الخارج ، يثبت فيه على نحو ما يتأدى إليه ، ويتكرر لديه ، ولذلك لما لم تكن الأسباب على وتيرة واحدة ، فيما بين معشر البشر ، اختلفت الحال في ثبوت الصور في الخيالات ترتبا ووضوحا ، فكم من صور تتعانق في الخيال ، وهي في آخر ليست تتراءى ، وكم صور لا تكاد تلوح في الخيال ، وهي في غيره نار على علم.
وإن أحببت أن تستوضح ما يلوح به إليك ، فحدق إليه من جانب اختبارك ، تلق كاتبا بتعديد : قرطاس ، ومحبرة ، وقلم ، ونجارا بتعديد : منشار وقدوم ، وعتلة ، وآخر بما يلابسون ، وأيّا كان من أصحاب العرف والرسم ، فتلقه يذكر : مسجد ومحراب وقنديل ، أو حمام وإزار وسطل (٢) ، أو غير ذلك مما يجمعه العرف والرسم ، فإنهم جميعا ، لمصادفتهم معدوداتك على وفق الثابت في خيالهم ، لا [يستبدعون](٣) العدّ ، ولا يقفون له موقف نكير ، وإذا غيرته إلى نحو : محبرة ومنشار ، وقلم وقدوم ، ونحو : مسجد وسطل ، وقنديل وحمام ، جاء الاستبداع والاستنكار ، وهل تشبيهات أولئك الرفقاء الأربعة ، البدر الطالع عليهم ، فيما يحكى ، تتلو عليك سورة غير ما تلونا ، أو تجلو لديك صورة غير ما جلونا ، يحكى أن صاحب سلاح ملك ، [وصواغا](٤) ، وصاحب بقر ،
__________________
(١) في (غ): (تصور أيّهما).
(٢) السّطل : الطّسيسة الصغيرة يقال : إنه على صفة تور له عروة كعروة المرجل.
(٣) من (د) وفي (ط ، غ): (يستبعدون).
(٤) في (غ): (وصوافا).