ولصاحب علم المعاني فضل احتياج في هذا الفن إلى التنبه لأنواع هذا الجامع والتيقظ لها ، لا سيما النوع الخيالي ، فإن جمعه على مجرى الألف والعادة بحسب ما تنعقد الأسباب في استيداع الصور خزانة الخيال ، وأن الأسباب ، لكما ترى ، إلى أي حد تتباين في شأن الجمع بين صور وصور ، فمن أسباب تجمع بين : صومعة وقنديل وقرآن ، ومن أسباب تجمع بين دسكرة (١) وإبريق وأقران ، فقل لي : إذا لم يوفّه حقه من التيقظ ، وأنه من أهل المدر ، أنّى يستحلي كلام رب العزة مع أهل الوبر ، حيث يبصرهم الدلائل ناسقا ذلك النسق : (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ* وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ* وَإِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ* وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ)(٢) لبعد البعير عن خياله في مقام النظر ، ثم لبعده في خياله عن السماء ، وبعد خلقه عن رفعها ، وكذا البواقي ، لكن إذا وفاه حقه بتيقظه لما عليه تقلبهم في حاجاتهم جاء الاستحلاء ، وذلك إذا نظر أن أهل الوبر إذا كان مطعمهم ومشربهم وملبسهم من المواشي ، كانت عنايتهم مصروفة ، لا محالة ، إلى أكثرها نفعا ، وهي : الإبل.
ثم إذا كان انتفاعهم بها لا يتحصل إلّا بأن ترعى وتشرب ، كان جل مرمى غرضهم نزول المطر ، وأهم مسارح النظر عندهم السماء ، ثم إذا كانوا مضطرين إلى مأوى يأويهم ، وإلى حصن يتحصنون فيه ، ولا مأوى ولا حصن إلا الجبال :
لنا جبل يحتله من نجيره ... |
|
منيع يردّ الطرف وهو كليل (٣) |
فما ظنك بالتفات خاطرهم إليها ، ثم إذا تعذر طول مكثهم في منزل ، ومن لأصحاب مواش بذاك ، كان عقد الهمة عندهم ، بالتنقل من أرض إلى سواها ، من عزم الأمور. فعند نظره هذا أيرى البدوي إذا أخذ يفتش عما في خزانة الصور له ، لا يجد صورة الإبل حاضرة هناك ، أو لا يجد صورة السماء لها مقارنة ، أو تعوزه صورة الجبال
__________________
(١) دسكرة : الدّسكرة : بناء كالقصر حول بيوت الأعاجم يكون فيها الشراب والملاهى. والدّسكرة : الصومعة.
(٢) سورة الغاشية الآية ١٧ ـ ٢٠.
(٣) أورده بدر الدين بن مالك في المصباح ص (٦٧) وهو للسموأل بن عادياء.