عسى يتوهم السامع أنك في قولك : جاءني الخليفة ، متجوزا ، أو ساه ، وتقرير كونه حالا مؤكدة ظاهر.
وكذلك فصل : (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ ،) لمعنى التقرير فيه للذي قبله ؛ لأن قوله : (ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ ،) مسوق لوصف التنزيل بكمال كونه هاديا ، وقوله : (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) تقديره : كما لا يخفى : هو هدى ، وأن معناه نفسه هداية محضة بالغة درجة لا يكتنه كنهها ، وأنه في التأكيد والتقرير لمعنى أنه كامل في الهداية كما ترى.
وأما بيان أن ما قبله مسوق لما ذكر ، فما ترى من النظم الشاهد له لإحرازه قصب السبق في شأنه ، وهو : (" ذلِكَ الْكِتابُ") ثم من تعقيبه بما ينادي على صدق الشاهد ذلك النداء البليغ ، وهو : (" لا رَيْبَ فِيهِ"). وإنك لتعلم أن شأن الكتب السماوية الهداية لا غير ، وبحسبها يتفاوت شأنهن في درجات الكمال ، وكذلك قوله : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ* خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ)(١) فصل قوله : (لا يؤمنون) ؛ لما كان مقررا لما أفاد قوله : (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ ،) من ترك إجابتهم إلى الإيمان ، وكذلك فصل قوله : (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ ،) لما كان بمثابة : لا يؤمنون ، من جهة أخرى : وهي أن عدم التفاوت بين الإنذار وعدم الإنذار ، لما لم يصح إلا في حق من ليس له قلب يخلص إليه حق ، وسمع يدرك به حجة ، وبصر يثبت به عبرة ، وقع قوله : (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ) مقررا كما ترى ، وكذلك قوله : (إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ)(٢) لما كان المراد : ب (إِنَّا مَعَكُمْ ،) هو : إنا معكم قلوبا ، وكان معناه : إنّا نوهم أصحاب محمد الإيمان ، وقع قوله : (" إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ") مقررا ، ولك أن تحمله على الاستئناف لانصباب : (إِنَّا مَعَكُمْ ،) وهو قول المنافقين لشياطينهم ، إلى أن يقول لهم شياطينهم : فما بالكم؟ إن صح أنكم معنا توافقون
__________________
(١) سورة البقرة الآيتان ٦ ـ ٧.
(٢) سورة البقرة الآية ١٤.