ولا من خلفه ، فهناك يستقبلك منها ما لا يبعد أن يرجعك القهقرى ، وكأني بك وليس معك من هذا العلم إلا ذكر النحو واللغة ، قد ذهب بك الوهم إلى أن ما قرع سمعك هو شيء قد افترعته (١) عصبية الصناعة ، لا تحقيق له. وإلا فمن لصاحب علم الأدب بأنواع تعظم تلك العظمة ، لكنك إذا اطلعت على ما نحن مستودعوه كتابنا هذا ، مشيرين فيه إلى ما تجب الإشارة إليه ، ولن يتم لك ذلك إلا بعد أن تركب له من التأمل كل صعب وذلول ، علمت إذ ذاك أن صوغ الحديث ليس إلا من عين التحقيق ، وجوهر السداد.
ولما كان حال نوعنا هذا ما سمعت ، ورأيت أذكياء أهل زماني الفاضلين ، الكاملي الفضل ، قد طال إلحاحهم علي في أن أصنف لهم مختصرا يحظيهم بأوفر حظ منه ، وأن يكون أسلوبه أقرب أسلوب من فهم كل ذكي ، صنفت هذا ، وضمنت لمن أتقنه أن ينفتح عليه جميع المطالب العلمية ، وسميته : (مفتاح العلوم) ، وجعلت هذا الكتاب ثلاثة أقسام :
القسم الأول : في علم الصرف.
القسم الثاني : في علم النحو.
القسم الثالث : في علمي المعاني والبيان.
والذي اقتضى عندي هذا ، هو أن الغرض الأقدم من علم الأدب ، لما كان هو الاحتراز عن الخطأ في كلام العرب ، وأردت أن أحصل هذا الغرض ، وأنت تعلم أن
__________________
راية الفن للفن ، فلا غاية لهم من وراء الأدب إلا شقشقة فارغة ، ومتعة زائلة ، وخبط على غير هدى ، يتعثرون في مناهج ذوي الضلالة ، ويتنقلون معهم من عبث إلى عبث ، مصورين تمام التصوير حالة الانهزامية التي تعيشها الأمة اليوم حينما ألقت رايتها ، وتناست هويتها ، فنسيت الهدف ، وضلت عن الغاية فهل من بعث جديد نتمسك فيه بهويتنا ، ونعرف فيه إلى أين نحن ذاهبون؟.
(١) في (ط) وفي (غ) (افترعنه) ، والتصويب من (د).