أصولا لائقة ، وأوردت حججا مناسبة ، وقررت ما صادفت من آراء السلف ، قدس الله أرواحهم ، بقدر ما احتملت من التقرير ، مع الإرشاد إلى ضروب مباحث قلّت عناية السلف بها ، وإيراد لطائف مفتنة ما فتق أحد بها رتق إذن.
وها أنا ممل حواشي جارية مجرى الشرح للمواضع المشكلة ، مستكشفة عن لطائف المباحث المهملة ، مطلعة على مزيد تفاصيل في أماكن تمس الحاجة إليها ، فاعلا ذلك كله عسى إذا قيض في اللحد المضجع ، أن يدعى لي بدعوة تسمع.
هذا واعلم أن علم الأدب متى كان الحامل على الخوض فيه مجرد الوقوف على بعض الأوضاع ، وشيء من الاصطلاحات ، فهو لديك على طرف الثمام (١). أما إذا خضت فيه لهمة تبعثك على الاحتراز عن الخطأ في العربية ، وسلوك جادة الصواب فيها ، اعترض دونك منه أنواع تلقى لأدناها عرق القربة (٢) ، لا سيما إذا انضم إلى همتك الشغف بالتلقي لمراد الله تعالى من كلامه (٣) ، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه
__________________
(١) في (ط) (التمام) وما أثبتناه من (د). والثّمام : نبت معروف في البادية ولا تجهده النعم إلا في الجدوبة ... والعرب تقول للشىء الذى لا يعسر تناوله : (هو على طرف الثّمام) ، وذلك أن الثّمام لا يطول فيشقّ تناوله. لسان العرب. مادة (ثمم).
(٢) عرق القربة : في اللسان : وقيل : لقيت منه عرق القربة ، أى شدّة ومشقة ومعناه : أن القربة إذا أعرقت وهي مدهونة خبث ريحها. وفى حديث عمر : ألا لا تغالوا صدق النساء ، فإن الرجال تغالى بصدقها حتى تقول جشمت إليك عرق القربة ، قال الكسائى : عرق القربة أن يقول لك وتكلفت وتعبت حتى عرقت كعرق القربة ، وعرقها سيلان مائها ، وقال أبو عبيدة : تكلفت إليك ما لا يبلغه أحد حتى تجشمت ما لا يكون ، لأن القربة لا تعرق ، وهذا مثل قولهم : حتى يشيب الغراب ، ويبّيض القار ...
إلخ لسان العرب. مادة (عرق).
(٣) من هنا نعلم الغاية من وراء الأدب وعلومه عند القدماء : ألا وهي الاحتراز عن الخطأ في العربية ، وتلك هى الهمّة الدنيا ، أما الهمّة العليا ، والغاية العظمى ، والمقصد الأسمى لديهم فهو التلقى لمراد الله تعالى من كلامه ، وحسبك بها غاية ومقصدا نبيلا ، فأين ذلك من دعاة العبث اليوم ، الذين يرفعون ـ ـ