الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)(١) ترك إيجازه ، وهو أن في ترجح وقوع أي ممكن كان على لا وقوعه ، لآيات للعقلاء ؛ لكونه كلاما لا مع الإنس فحسب ، بل مع الثقلين ، ولا مع قرن دون قرن ، بل مع القرون كلهم قرنا فقرنا ، إلى انقراض الدنيا ، وإن فيهم لمن يعرف ويقدر من مرتكبي التقصير في باب النظر والعلم بالصانع من طوائف الغواة ، فقل لي : أي مقام للكلام أدعى لترك إيجازه إلى الإطناب من هذا. وقوله : (قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ)(٢) وأوثر الإطناب فيه على ايجازه وهو : آمنا بالله ، وبجميع كتبه ، لما كان بمسمع من أهل الكتاب فيهم من لا يؤمن بالتوراة وبالقرآن ، وهم : النصارى القائلون (لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ)(٣) ، وفيهم من لا يؤمن بالإنجيل والقرآن ، وهم : اليهود ، وكل منهم مدع للإيمان بجميع ما أنزل الله ؛ تقريعا لأهل الكتاب ، وليبتهج المؤمنون بما نالوا من كرامة الاهتداء.
ووقع الإيجاز عن طباق المقام بمراحل ، وقوله : (وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ)(٤) لم يؤثر إيجازه وهو : (وَاتَّقُوا يَوْماً) لا خلاص عن العقاب فيه ، لكل من جاء مذنبا ، إذ كان كلاما مع الأمة ؛ لنقش صورة ذلك اليوم في ضمائرهم ، وفي الأمة الجاهل والعالم والمعترف والجاحد والمسترشد والمعاند والفهم والبليد ؛ لئلا يختص المطلوب منهم بفهم أحد دون أحد ، وأن لا يكون بحيث يناسب قوة سامع دون سامع ، أو يخلص إلى ضمير بعض دون بعض ، وقوله : (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ
__________________
(١) سورة البقرة الآية ١٦٤.
(٢) سورة البقرة الآية ١٣٦.
(٣) سورة البقرة الآية ١١٣.
(٤) سورة البقرة الآية ١٢٣.