فكنت مجملا ، فإذا قلت : صدري عدت مفصلا ، وإن كان الطلب وقت الإرسال ، الذي هو مقام مزيد احتياج إلى انشراح الصدر ، لما تؤذن به الرسالة من تلقي المكاره وضروب الشدائد ، وقوله تعالى : (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ)(١) وارد على هذا التوخي ومزيد التقرير ، وقول البلغاء في الجواب مثل : لا ، وأصلحك الله ، بزيادة الواو ، خلافا لما عليه كلام الأوساط ، من الإطناب في موقع.
ولك أن تعد باب (نعم وبئس) موضوعا على الإطناب ، إذ لو أريد الاختصار لكفى : نعم زيد ، وبئس عمرو ، وأن تجعل الحكمة في ذلك توخي تقرير المدح والذم ، لاقتضائهما مزيد التقرير ؛ لكونهما للمدح العام والذم العام الشائعين في كل خصلة محمودة ومذمومة المستبعد تحققهما ، وهو أن يشيع كون المحمود محمودا في خصال الحمد ، وكون المذموم مذموما في خلافها ؛ وتجعل وجه التقرير الجمع بين طرفي الإجمال والتفصيل ، ألّا تراك إذا قلت : نعم الرجل ، مريدا باللام الجنس دون العهد ، كيف توجه المدح إلى زيد أولا ، على سبيل الإجمال ؛ لكونه من أفراد ذلك الجنس ، وإذا قلت : نعم رجلا ، فأضمرته من غير ذكر له سابق ، وفسرته باسم جنسه ، ثم إذا قلت : زيد ، كيف توجهه إليه ثانيا على سبيل التفصيل.
وإن هذا الباب متضمن للطائف فيه من الإطناب الواقع في موقعه ما ترى ، وفيه تقدير السؤال ، وبناء المخصوص عليه يقدر بعد : نعم الرجل ، أو : نعم رجلا : من هو؟
ويبني عليه زيد أي هو زيد.
وقد عرفت ، فيما سبق ، لطف هذا النوع ، وفيه اختصار من جهة ، وهو ترك المبتدأ في الجواب ، ولا يخفى حسن موقعه ، ولو لم يكن فيه شيء سوى أنه يبرز الكلام في معرض الاعتدال ، نظرا إلى إطنابه من وجه ، وإلى اختصاره من وجه آخر ، أو إيهامه الجمع بين المتنافيين ، مثله في جمعه بين الإجمال والتفصيل ، فمبنى السحر الكلامي الذي يقرع سمعك على أمثال ذلك لكفى.
__________________
(١) سورة الشرح الآية ١.