(أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ)(١) ، وما شاكل ذلك من لطائف الاعتبارات ، والأمر في باب التعجب من نحو : أكرم بزيد ، على قول من يقول : إنه بمعنى الخبر ؛ آخذا همزته من قبيل : ذي كذا ، جاعلا الباء زائدة ، مثلها في : (كَفى بِاللهِ)(٢) [منخرط](٣) في هذا السلك.
ولهذا النوع ، أعني إخراج الكلام لا على مقتضى الظاهر ، أساليب متفننة ، إذ ما من مقتضى كلام ظاهري إلّا ولهذا النوع مدخل فيه بجهة من جهات البلاغة ، على ما ننبه على ذلك منذ اعتنينا بشأن هذه الصناعة ، وترشد إليه تارة بالتصريح ، وتارات بالفحوى ، ولكل من تلك الأساليب عرق في البلاغة يتسرب من أفانين سحرها ، ولا كالأسلوب الحكيم فيها ، وهو : تلقي المخاطب بغير ما يترقب ، كما قال (٤) :
أتت تشتكي عندي مزاولة القرى ... |
|
وقد رأت الضيفان ينحون منزلي |
فقلت كأنّي ما سمعت كلامها ... |
|
هم الضيف جدّي في قراهم وعجّلي |
أو السائل بغير ما يتطلب ، كما قال تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِ)(٥) قالوا في السؤال : ما بال الهلال يبدو دقيقا مثل الخيط ، ثم يتزايد قليلا قليلا حتى يمتلىء ويستوي ، ثم لا يزال ينقص حتى يعود كما بدا؟ فأجيبوا بما ترى. وكما قال : (يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ)(٦) سألوا عن بيان ما ينفقون ، فأجيبوا ببيان
__________________
(١) سورة التوبة الآية ٥٣.
(٢) سورة النساء ، الآية ٦ ، وكثير من الآيات غيرها.
(٣) في (غ): (منخرما).
(٤) البيتان من الطويل ينسبان لحاتم الطائى ، وهما في الإيضاح (١ / ١٨٣) بلا عزو.
(٥) سورة البقرة الآية ١٨٩.
(٦) سورة البقرة ، الآية ٢١٥.