وها هنا نكتة لا بد من التنبيه لها ، وهي أن التحقيق في وجه الشبه يأبى أن يكون غير عقلي ، وذلك أنه متى كان حسيّا ، وقد عرفت أنه يجب أن يكون موجودا في الطرفين ، وكل موجود فله تعين ، فوجه الشبه مع المشبه متعين ، فيمتنع أن يكون هو بعينه موجودا مع المشبه به ، لامتناع حصول المحسوس المعين ههنا ، مع كونه بعينه هناك ، بحكم ضرورة العقل ، وبحكم التنبيه على امتناعه ، إن شئت ، وهو استلزامه إذا عدمت حمرة الخد دون حمرة الورد أو بالعكس ، كون الحمرة معدومة ، موجودة معا ، وهكذا في أخواتها ، بل يكون مثله مع المشبه به ، لكن المثلين لا يكونان شيئا واحدا ، ووجه الشبه بين الطرفين ، كما عرفت ، واحد ، فيلزم أن يكون أمرا كليّا مأخوذا من المثلين ، بتجريدهما عن التعين.
لكن ما هذا شأنه فهو عقلي ، ويمتنع أن يقال : فالمراد بوجه الشبه حصول المثلين في الطرفين ، فإن المثلين متشابهان ، فمعهما وجه تشبيه.
فإن كان عقليّا ، كان المرجع في وجه الشبه العقل في المآل ، وإن كان حسيّا ، استلزم أن يكون مع المثلين مثلان آخران ، وكان الكلام فيهما ، كالكلام فيما سواهما ويلزم التسلسل ؛ وتمام التحقيق موضعه علوم أخر.
والعقلي ، كوجود الشيء العديم النفع إذا شبه بعدمه في العراء عن الفائدة ، أو كالعلم إذا شبه بالحياة في كونهما جهتي إدراك فيما طرفاه معقولان ، وكالرجل إذا شبه بالأسد في الجراءة ، وكأصحاب النبي ، عليه الصلاة والسّلام ، ورضياللهعنهم ، إذا شبهوا بالنجوم (١) ، في مطلق الاهتداء بذلك فيما طرفاه محسوسان ، وكالعلم إذا شبه بالنور في الهداية ، أو كالعدل إذا شبه بالقسطاس في تحصيل ما بين الزيادة والنقصان فيما المشبه معقول والمشبه به محسوس ، وكالعطر إذا شبه بخلق كريم في استطابة النفس
__________________
(١) يعني حديث : إنما أصحابي مثل النجوم ، فأيهم أخذتم بقوله اهتديتم وهو حديث موضوع ، والمتهم به حمزة بن أبي حمزة قال الدارقطني : متروك. وقال ابن عدي : عامة مروياته موضوعة. وانظر السلسلة الضعيفة للشيخ الألباني : (١ / ١٤٩ / ح ٦١).