وأما البعيدة : فهي أن تنتقل إلى مطلوبك من لازم بعيد بوساطة لوازم متسلسة ، مثل أن تقول : خ خ كثير الرماد ، فتنتقل من كثرة الرماد إلى كثرة الجمر ، ومن كثرة الجمر إلى كثرة إحراق الحطب تحت القدور ، ومن كثرة إحراق الحطب إلى كثرة الطبائخ ، ومن كثرة الطبائخ إلى كثرة الأكلة ، ومن كثرة الأكلة إلى كثرة الضيفان ، ثم من كثرة الضيفان إلى أنه مضياف. فانظر بين الكناية وبين المطلوب بها ، كم ترى من لوازم ، أو مثل أن تقول : خ خ جبان الكلب ، أو خ خ مهزول الفصيل ، متوصلا بذلك إلى كونه مضيافا ، كما قال (١)
وما يك فيّ من عيب فإني ... |
|
جبان الكلب مهزول الفصيل |
فإن جبن الكلب عن الهرير في وجه من يدنو من دار من هو بمرصد ، لأن يعشى دونها ، مع كون الهرير له والنباح في وجه من لا يعرف أمرا طبيعيا له ، مركوزا في جبلته ، مشعر باستمرار تأديب له ، لامتناع تغير الطبيعة وتفاوت الجبلة بموجب لا يقوى ، واستمرار تأديبه أن لا ينبح [مشعر باستمرار موجب نباحه ، وهو اتصال مشاهدته وجوها إثر وجوه ، واتصال مشاهدته لتلك](٢) مشعر بكون ساحته مقصد أدان وأقاص ، وكونه كذلك مشعر بكمال شهرة صاحب الساحة بحسن قرى الأضياف ، فانظر لزوم جبن الكلب للمضيافية كيف تجده بوساطة عدة لوازم ، وكذلك هزال الفصيل يلزم فقد الأم ، وفقدها مع كمال عناية العرب بالنوق ـ لا سيما بالمثليات منها ، لقوام أكثر مجاري أمورهم بالإبل ـ يلزم كمال قوة الداعي إلى نحرها ، وإذ لا داعي إلى نحر المثليات أقوى من صرفها إلى الطبائخ ، ومن صرف الطبائخ إلى قرى الأضياف ، فهزال الفصيل ، كما ترى ، يلزم المضيافية بعدة وسائط. ومن هذا النوع
__________________
(١) أورده عبد القاهر الجرجاني في دلائل الاعجاز ص ٣٠٧ بلا عزو ، والرازي في نهاية الإيجاز ص (٢٧١) ، وبدر الدين بن مالك في المصباح ص ١٥٠ ، والقزوينى في الإيضاح ص ٤٥٩. الفصيل : ولد الناقة إذا فصل عن أمه.
(٢) سقط من (غ).