ولم يقل : يظل قصدا إلى زمان له مزيد اختصاص بالفواحش ، وهو الليل. وقول ابن هانئ (١) :
فما جازه جود ، ولا حلّ دونه ... |
|
ولكن يصير الجود حيث يصير |
فإنه أراد أن يجمع الجود ، لا على سبيل التصريح ، ويثبته للممدوح ، لا على سبيل التصريح أيضا ، فعمد إلى نفس الجود ، فنفى أن يكون متوزعا يقوم منه جزء بهذا وجزء بذلك ، فنكّر الجود قصدا إلى فرد من أفراد الحقيقة ، ونفى أن يجوز ممدوحه ، فقال : فما جازه جود بالتنكير كما ترى ، تنبيها بذلك على أن لو جازه لكان قائما بمحل هناك ، لامتناع قيامه بنفسه ، ثم لمثل هذا قال : خ خ ولا حلّ دونه ، كناية بذلك عن عدم توزعه وتقسمه ، ثم خصصه من بعد بجهة تلك الجهة [الممدوحة](٢) ، بعد أن عرّفه باللام الاستغراقية ، فقال : ولكن يصير الجود حيث يصير
كناية عن ثبوته له ، ومنه قولهم : خ خ مجلس فلان مظنة الجود والكرم.
وقد يظن أن ههنا قسما رابعا وهو : أن يكون المطلوب بالكناية الوصف والتخصيص معا مثل ما يقال : خ خ يكثر الرماد في ساحة عمرو ، في الكناية عن : أنّ عمرا مضياف ، فليس بذاك ، إذ ليس ما ذكر بكناية واحدة ، بل هما كنايتان ، وانتقال من لازمين إلى ملزومين ، أحد اللازمين : كثرة الرماد ، والثاني : تقييدها ، وهو قولك : في ساحة عمرو.
واعلم أن الكناية في القسم الثاني والثالث ، تارة تكون مسوقة لأجل الموصوف المذكور ، كما تقول : خ خ فلان يصلي ويزكي ، وتتوصل بذلك إلى أنه مؤمن ، وخ خ فلان يلبس الغيار ، وتريد : أنه يهودي ، وكالأمثلة المذكورة. وتارة تكون مسوقة لأجل
__________________
(١) ابن هانئ : هو الحسن بن هانئ ، أبو نواس ، شاعر الخمرة والزهد المعروف ...
أورده بدر الدين بن مالك في المصباح ص ١٥٣ وعزاه لابن هانئ ، ومحمد بن علي الجرجاني في الإشارات ص ٢٤٦ ، والقزويني في الإيضاح ص ٤٦٣ ، والطيبى في التبيان ١ / ٣٣١ وعزوه جميعا لأبي نواس.
(٢) في (د) ، (غ) (لممدوحه).