ترشيحا (١) لاستعارة النداء ، ثم قال : (ماءَكِ ،) بإضافة الماء إلى الأرض على سبيل المجاز ، تشبيها لاتصال الماء بالأرض باتصال الملك بالمالك ، واختار ضمير الخطاب لأجل الترشيح ، ثم اختار لاحتباس المطر : خ خ الإقلاع ، الذي هو ترك الفاعل الفعل للشبه بينهما في عدم ما كان ، ثم أمر على سبيل الاستعارة وخاطب في الأمر قائلا : (أَقْلِعِي ؛) لمثل ما تقدم في : (ابْلَعِي ،) ثم قال : (وَغِيضَ الْماءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً :) فلم يصرح بمن غاض الماء ، ولا بمن قضى الأمر ، وسوى السفينة ، وقال : (بُعْداً ،) كما لم يصرح بقائل : خ خ يا أرض خ خ ويا سماء ، في صدر الآية ، سلوكا في كل واحد من ذلك لسبيل الكناية أن تلك الأمور العظام لا تتأتى إلّا من ذي قدرة ، لا يكتنه قهار لا يغالب ، فلا مجال لذهاب الوهم إلى أن يكون غيره ، جلت عظمته ، قائل : خ خ يا أرض وخ خ يا سماء ، ولا غائض مثل ما غاض ، ولا قاضي مثل ذلك الأمر الهائل ، أو أن تكون تسوية السفينة وإقرارها بتسوية غيره وإقراره ؛ ثم ختم الكلام بالتعريض ـ تنبيها لسالكي مسلكهم في تكذيب الرسل ظلما لأنفسهم لا غير ـ ختم إظهار لمكان السخط ، ولجهة استحقاقهم إياه ؛ وأن قيمة الطوفان ، وتلك الصورة الهائلة ، ما كانت إلّا لظلمهم.
وأما النظر فيها من حيث علم المعاني ، وهو : النظر في فائدة كل كلمة منها ، وجهة كل تقديم وتأخير فيما بين جملها ، فذلك أنه اختير : [خ خ يا](٢) ، دون سائر أخواتها لكونها أكثر في الاستعمال ، وأنها دالة على بعد المنادى الذي يستدعيه مقام إظهار العظمة ، وإبداء شأن العزة والجبروت ، وهو تبعيد المنادي المؤذن بالتهاون به. ولم يقل : خ خ يا أرض بالكسر لإمداد التهاون ، ولم يقل : خ خ يا أيتها الأرض لقصد الاختصار ، مع الاحتراز عما في : خ خ أيتها ، من تكلف التنبيه غير المناسب بالمقام ، واختير لفظ : خ خ الأرض دون سائر أسمائها لكونه أخف وأدور ، واختير لفظ : خ خ السماء لمثل ما تقدم في الأرض مع قصد المطابقة ، وستعرفها ، واختير لفظ : خ خ ابلعي ، على : خ خ ابتلعي ، لكونه أخصر ،
__________________
(١) في بعض النسخ (ترشحا).
(٢) سقطت من (د).