مزيد عليهن ، وأن الأولى هي التي تستبد بالنفس ، وأن ما عداها تستمد منها بالارتداد إليها ، فقل لي : إن كانت التلاوة أفادت شيئا؟ هل هو غير المصير إلى ضروب أربعة؟ بل إلى اثنين؟ محصولهما إذا أنت وفيت النظر إلى المطلوب حقه ، إلزام شيء يستلزم شيئا ، فيتوصل بذاك إلى الإثبات. أو يعاند شيئا فيتوصل بذلك إلى النفي ، ما أظنك ، إن صدق الظن ، يجول في ضميرك حائل سواه.
ثم إذا كان حاصل الاستدلال ، عند رفع الحجب ، هو ما أنت تشاهد بنور البصيرة ، فوحقك إذا شبهت قائلا : خ خ خدها وردة ، تصنع شيئا سوى أن تلزم الخد ما تعرفه يستلزم الحمرة الصافية ، فيتوصل بذلك إلى وصف الخد بها.
أو هل إذا كنيت قائلا : خ خ فلان جم الرماد ، تثبت شيئا غير أن تثبت لفلان كثرة الرماد المستتبعة للقرى ، توصلا بذلك إلى اتصاف فلان بالمضيافية عند سامعك؟.
أو هل إذا استعرت قائلا : في الحمام أسد ، تريد أن تبرز من هو في الحمام في معرض من سداه ولحمته شدة البطش ، وجراءة المقدم مع كمال الهيبة ، فاعلا ذلك ليتسم فلان بهاتيك السمات؟.
أو هل تسلك إذا رمت سلب ما تقدم ، فقلت : خدها باذنجانة سوداء ، أو قلت : [قدر](١) فلان بيضاء ، أو قلت : في الحمام فراشة ، مسلكا غير إلزام المعاند بدل المستلزم ، ليتخذ ذريعة إلى السلب هنالك؟
أرأيت ، والحال هذا ، إن ألقي إليك زمام الحكم أتجدك لا تستحي أن تحكم بغير ما حكمنا نحن ، أو تهجس في ضميرك : أنى يعشو صاحب التشبيه أو الكناية أو الاستعارة إلى نار المستدل؟ ما أبعد التمييز بمجرده أن يسوغ ذلك ، فضلا أن يسوغه العقل الكامل ، والله المستعان.
هذا ، وكم ترى المستدل يتفنن فيسلك : تارة طريق التصريح فيتمم الدلالة ، وأخرى
__________________
(١) كذا في الأصول.