العادة على مجرى كلام الأوساط ، فيتفق أن يأتي موزونا.
وعند آخرين : أن ذاك ليس بواجب ، لكن يلزمه أن يعد كل لافظ في الدنيا شاعرا إذ ما من لافظ ـ إن تتبعت ـ إلا وجدت في ألفاظه ما يكون على الوزن ، أو ما ترى إذا قيل لباذنجاني : خ خ بكم [تبع](١) ألف باذنجانة؟ فقال : خ خ أبيعها بعشرة عدليات. كيف تجد القولين على الوزن؟ أو إذا قيل لنجار : خ خ هل تم ذاك الكرسي؟ فقال : خ خ نعم ، فرغت منه يوم الجمعة ، كيف تجد الأول في الأوزان والثاني أيضا؟ وعلى هذا إذا قيل لجماعة : خ خ من جاءكم يوم الأحد؟ فقالوا : خ خ زيد بن عمرو بن أسد.
وتسمية كل لافظ شاعرا مما لا يرتكبه عاقل عنده إنصاف ، فالصحيح هو الرأي الأول ، لا يقال : فيلزم أن يجوز فيمن قال قصيدة أو قطعة أن لا يسمى شاعرا بناء على تجويز أن لا يكون تعمد ذلك ، وامتناعه ظاهرا ، فالواجب هو أن العقل يصحح الاتفاق في القليل دون الكثير ، وإلا فسد عليك الإسلام في مواضع. فلا تمار. والمروي عن النبي عليهالسلام أنه قال : خ خ من قال ثلاثة أبيات فهو شاعر ، شاهد صدق لما ذكرنا ، لإفادته أنه يمتنع تجويز عدم التعمد بالأبيات الثلاثة ، فلا بد من كونها شعرا ، ومن كون قائلها شاعرا من تعمد ، دون قائل الأقل.
فالشعر إذن : هو القول الموزون وزنا عن تعمد ، وأرى أن شيخنا الحاتمي ذلك الإمام في أنواع من الغرر ، الذي لم يسمع بمثله في الأولين ، ولن يسمع به في الآخرين ، كساه الله حلل الرضوان ، وأسكنه حلل الروح والريحان ، كان يرى هذا الرأي.
والرأي الأول حقه إذا سمي شعرا أن يسمى مجازا ؛ لمشابهته الشعر في الوزن ، ومذهب الإمام أبي إسحاق الزجاج في الشعر هو : أن لا بد من أن يكون الوزن من الأوزان التي عليها أشعار العرب ، وإلا فلا يكون شعرا ، ولا أدري أحدا تبعه في مذهبه هذا.
__________________
(١) أصلها تبيع ، ولكنه راعى فيها الوزن فحذفها تخفيفا.