الصلاة والسّلام للقرآن ، نيفا وعشرين سنة ، منزلة معاودة جهول لكلامه ، فتنظموا القرآن في سلك كلام متدارك الخطأ ، فتمسكوا عن هذيانكم؟ ثم إذ مسخكم الجهل هذا المسخ ، وبرقع عيونكم إلى هذا الحد وملك العمى بصائركم وأبصاركم على ما نرى ، فقدروا ما شئتم. قدروا إن لم يكن نبيا ، وقدروا أن كان نازل الدرجة في الفصاحة والبلاغة ، وقدروا أن لم يكن يتكلم إلا أخطأ ، وقدروا أنه ما كان له من التمييز ما لو زجى عمره على خطأ لا يشتبه عليكم أنتم ، لما تنبه لذلك الخطأ ، ولكن قولوا في هذه الواحدة ، وقد ختمنا الكلام معكم ، إذ لا فائدة. أو قد بلغتم من العمى إلى حيث لم تقدروا ، أن يتبين لكم أن عاش مدة مديدة بين أولياء وأعداء ، في زمان أهله من سبق ذكرهم ، فقدرتموه لم يكن له ولي [فينبه](١) ، فعل الأولياء ، إبقاء عليه أن ينسب إلى نقيصة ، ولا عدو فينص عليه تليله من جانب المغمز وضعا منه ، فعل الأعداء فيتداركه من بعده ، بتغيير.
سبحان الحكيم ، الذي يسع حكمته أن يخلق في صور الأناسي بهائم أمثال الطامعين أن يطعنوا في القرآن ، ثم الذي يقضي منه العجب ، أنك إذا تأملت هؤلاء ، وجدت أكثرهم لا في العير ولا في النفير ، ولا يعرفون قبيلا من دبير ، أين هم عن تصحيح نقل اللغة؟ أين هم عن علم الاشتقاق؟ أين هم عن علم التصريف؟ أين هم عن علم النحو؟ أين هم عن علم المعاني؟ أين هم عن علم البيان؟ أين هم عن باب النثر؟ أين هم عن باب النظم؟ ما عرفوا أن الشعر ما هو؟ ما عرفوا أن الوزن ما هو؟ ما عرفوا ما السجع؟ ما القافية؟ ما الفاصلة؟ أبعد شيء عن نقد الكلام جماعتهم ، لا يدرون ما خطأ الكلام وما صوابه ، ما فصيحه وما أفصحه ، وما بليغه وما أبلغه ، ما مقبوله وما مردوده ، وأين هم عن سائر الأنواع؟.
إذا جئتهم من علم الاستدلال ، وجدت فضلاءهم غاغة ، ما تعلك إلا أليفاظا! وإذا جئتهم من علم الأصول ، وجدت علماءهم مقلدة ، ما حظوا إلا بشم الروائح! وإذا
__________________
(١) في (د) : فينبهه.