(وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً)(١) ، ثم فيه حكاية عن موسى : (قالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي* وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي)(٢) إلى قوله : (إِنَّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيراً)(٣) وهذه إحدى عشرة آية ، فإذا قدر فصيح واحد على نظم إحدى عشرة آية في موضع واحد ، أفلا يكون الأفصح أقدر ؛ وإن كان واحدا على أكثر فكيف إذا ظاهره في ذلك الإنس والجن.
فيقال لهم : متى صح أن ينزل ما تقوله على لسان صاحبك من معنى ، على نسق مخصوص ، إذا سمعه قال : كنت أريد أن أقول هكذا ، وما كان يتيسر لي منزلة قوله المقول ، اندفع الطعن على أن القول المنصور عندنا في المتحدى به. إما سورة من الطوال ، وإما عشر من الأوساط.
ومنها أنهم يقولون : إنا نرى المعنى يعاد في قرآنكم في مواضع ، إعادة على تفاوت في النظم بين : حكاية وخطاب وغيبة ، وزيادة ونقصان وتبديل كلمات ، فإن كان النظم الأول حسنا ، لزم في الثاني ، الذي يضاد الأول بنوع من الزيادة والنقصان أو غير ذلك ، أن يكون دونه في الحسن ، وفي الثالث ، الذي يضاد الأولين بنوع مضادة ، أن يكون أدون. وقرآنكم مشحون بأمثال ما ذكر ، فكيف يصح أن يدعى في مثله أن كله معجز؟ والإعجاز يستدعي كونه في غاية الحسن لا أن يكون دونها بمراتب؟ من ذلك ما ترى في سورة آل عمران : (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقابِ)(٤). وفي سورة الأنفال : (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ)(٥) وبعده : (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ
__________________
(١) سورة القصص ، الآية : ٣٤.
(٢) سورة طه ، الآيتان : ٢٥ ـ ٢٦.
(٣) سورة طه ، الآية : ٣٥.
(٤) سورة آل عمران ، الآية : ١١٠.
(٥) سورة الأنفال ، الآية : ٥٢.