فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كانُوا ظالِمِينَ)(١).
فنقول لهم : الذي ذكرتموه ، من لزوم التفاوت في الحسن ، يسلم لكم إذا فرض ذلك التفاوت في المقام الواحد ؛ لامتناع انطباق المتضادين على شيء واحد ، أما إذا تعدد المقام فلا ؛ لاحتمال اختلاف المقامات ، وصحة انطباق كل واحد على مقامه. ونحن نبين لكم انطباق ما أوردتموه من [الصور](٢) الثلاث على مقاماتها ، بإذن الله تعالى ، ليكون ذلك للمتدبر مثالا ، فيما سواه ، يحتذيه ، ومنارا ينتحيه. فنقول : كان أصل الكلام يقتضي أن يقال : (خ خ إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم منا شيئا وأولئك هم وقود النار كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآياتنا فأخذناهم بذنوبهم ونحن شديدو العقاب) لأن الله تعالى يخبر عن نفسه ، والإخبار عن النفس كذا يكون ، وكذلك كان يقتضي أن يقال في سورة الأنفال ، المنزلة عقيب هذه السورة : سورة آل عمران : خ خ كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كفروا (بآياتنا فأخذناهم) بذنوبهم (إننا أقوياء شديدو) العقاب ذلك (بأننا لم نكن مغيري) نعمة (أنعمناها) على (قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ*) (وأننا سميعون عليمون) كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا (بآياتنا) فأهلكناهم بذنوبهم وأغرقنا آل فرعون لكن تركت الحكاية في لفظ (منا) ، إلى لفظ الغيبة في : من الله تعالى ، على سبيل التغليظ وزيادة تقبيح الحال ، ثم تركت الغيبة في : (كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ) *) إلى الحكاية في لفظ : (بآياتنا) تطبيقا لجميع ذلك على قوله : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) متروك المفعول ، وذلك أنه حين ترك المفعول احتمل الغيبة ، وهو أن يكون المراد : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) بالله ، على سبيل إظهار التعظيم في لفظ الغيبة ، كما تقول الخلفاء : يشير الخليفة إلى كذا ، ويشير أمير المؤمنين. واحتمل أيضا الحكاية ؛ لأن أصل الكلام يقتضيها ، وأن تكون بلفظ الجماعة لإظهار التعظيم أيضا ، ويكون المراد : (خ خ كَفَرُوا بِآياتِنا ، *) فلما احتمل الوجهين ، طبق عليهما من بعد ذلك. ولما كان لفظة : خ خ الله مع لفظة : خ خ الكفر ، حال إرادة التغليظ ، آثر : قيل ، بعد قوله : (كَفَرُوا
__________________
(١) سورة الأنفال ، الآية : ٥٤.
(٢) في (غ) : السور.