وقوله تعالى : (يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ) (الأنعام : ١٣٠) والمراد الإنس ؛ لأنّ الرسل لا تكون إلا من بني آدم. وحكى بعضهم فيه الإجماع ، لكن عن الضحاك أنّ من الجن رسولا اسمه يوسف ، لقوله تعالى : (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلا فِيها نَذِيرٌ) (فاطر : ٢٤) واحتج الجمهور بقوله : (وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً) (الأنعام : ٩) ليحصل الاستئناس ، وذلك مفقود (١) في الجنّ ، وبقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً ...) الآية (آل عمران : ٣٣) وأجمعوا أنّ المراد بالاصطفاء النبوة.
وأجيب عن تمسّك الضحاك بالآية بأن البعضية صادقة بكون الرسل من بني آدم ، ولا يلزم إثبات رسل من الجن (٢) [بطريق إثبات نفر من الجن] (٢) يستمعون القرآن من رسل الإنس ، ويبلّغونه إلى قومهم ، وينذرونهم ، ويصدق على أولئك النفر من حيث إنهم رسل [الرسل] (٣). وقد سمى الله رسل عيسى بذلك حيث قال : (إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ) (يس : ١٤) وفي «تفسير القرآن» لقوام السنة إسماعيل بن محمد بن الفضل الجوزي (٤) قال قوم : من الجن رسل ، للآية.
وقال الأكثرون : الرسل من الإنس ، ويجيء من الجن (٥) ، كقوله في قصة بلقيس : (فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ) (النمل : ٣٥) والمراد به واحد ، بدليل قوله : (ارْجِعْ إِلَيْهِمْ) (النمل : ٣٧) وفيه نظر ، من جهة أنه يحتمل أن يكون الخطاب لرئيسهم ؛ فإن العادة جارية لا سيما من الملوك ألا يرسلوا واحدا. وقرأ ابن مسعود : «ارجعوا إليهم» (٦) ، أراد الرسول ومن معه.
__________________
(١) في المخطوطة (موجود).
(٢) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(٣) ساقطة من المخطوطة.
(٤) هو إسماعيل بن محمد بن الفضل بن علي التيمي أبو القاسم الطلحي (الملقب بالجوزي) قوام السنة. ولد سنة ٤٥٧ ه إمام وقته وقدوة أهل السنة في زمانه ، كان أهل بغداد يقولون : «ما دخل بعد الإمام أحمد بن حنبل أفضل ولا أحفظ منه» ، وله تصانيف كثيرة منها التفسير الكبير واسمه «الجامع» و «شرح البخاري» و «شرح مسلم» وغيرها ت ٥٣٥ ه (الداودي ، طبقات المفسرين ١ / ١١٢). وقال الذهبي في السيرة ٢٠ / ٨٤ نقلا عن الحافظ أبي موسى : «وله التفسير في ثلاثين مجلدا سماه «الجامع» وله «تفسير» آخر في أربع مجلدات وله «الموضح في التفسير» في ثلاث مجلدات ...».
(٥) في المخطوطة (في الخبر).
(٦) القراءة ذكرها الطبري في تفسيره ١٩ / ٩٨ ، وأبو حيان في البحر المحيط ٧ / ٧٤.