واختلف هل التمني خبر ومعناه النفي ، أو ليس بخبر ، ولهذا لا يدخله التصديق والتكذيب ؛ قولان عن أهل العربية ، حكاهما ابن فارس في كتاب «فقه العربية» (١) والزمخشري (٢) بنى كلامه على أنه ليس بخبر ، واستشكل دخول التكذيب في جوابه ، في قوله تعالى : (يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ) (الأنعام : ٢٧) إلى قوله : (وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) (الأنعام : ٢٨) وأجاب بتضمنه معنى العدة فدخله التكذيب.
وقال ابن الضائع (٣) : «التمني حقيقة لا يصح فيه الكذب ؛ وإنما يرد الكذب في التمني الذي يترجّح عند صاحبه وقوعه ؛ فهو إذن وارد على ذلك الاعتقاد الذي هو ظن ، وهو خبر صحيح. قال : وليس المعنى في قوله : (وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) (الأنعام : ٢٨) أن ما تمنّوا ليس بواقع ، لأنه ورد في معرض الذم لهم ، وليس في ذلك المعنى ذم ، بل التكذيب ورد على إخبارهم عن أنفسهم أنهم لا يكذبون ، وأنهم يؤمنون.
ومنها الترجّي ؛ والفرق بينه وبين التمني أن الترجّي لا يكون إلا في الممكنات ، والتمني يدخل المستحيلات.
ومنها النداء وهو طلب إقبال المدعوّ على الداعي بحرف مخصوص وإنما يصحب في الأكثر الأمر والنهي ، كقوله : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ) (البقرة : ٢١) (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ) (الأحزاب : ١) (يا عِبادِ فَاتَّقُونِ) (الزمر : ١٦) (وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ) (هود : ٥٢) (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ) (الحجرات : ١) (يا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ) (التحريم : ٧) وربما (٤) تقدمت جملة الأمر جملة النداء : كقوله تعالى : (وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعاً) [١٢٨ / أ](أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ) (النور : ٣١).
وإذا جاءت جملة الخبر بعد النداء تتبعها جملة الأمر ، كما في قوله [تعالى] (٥) : (يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ) (الحج : ٧٣) وقد تجيء معه الجمل الاستفهامية
__________________
(١) انظر الصاحبي ص ١٥٨ ، باب الأمر.
(٢) انظر الكشاف ٢ / ٩.
(٣) هو علي بن محمد بن علي الكتامي ، تقدمت ترجمته في ٢ / ٣٦٤.
(٤) في المخطوطة (لما).
(٥) ليست في المخطوطة.