قال : أنكر أنّ حكم الجاهلية مما يبغى لحقارته ، وأنكر عليهم سلب العزة عن الله تعالى ، وهو منكر في الماضي والحال والاستقبال».
وهذا الذي قاله مخالف لإجماع البيانيين ، ولا دليل فيما ذكره ، بل الاستفهام في الآيتين عن ماض ودخله الاستقبال ، تغليبا لعدم اختصاص المنكر بزمان. ولا يشهد له قوله تعالى : (أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ) (البقرة : ٦١) لأن الاستبدال ـ وهو طلب البدل ـ وقع ماضيا ، ولا : (أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ) (غافر : ٢٨) وإن كانت «أن» تخلّص المضارع للاستقبال ، لأنه كلام ملموح به جانب المعنى. وقد ذكر ابن جني في «التنبيه» (١) أن الإعراب قد يرد على خلاف ما عليه المعنى.
***
السابعة : هذه الأنواع من خروج الاستفهام عن حقيقته في النفي ؛ هل تقول : إن معنى الاستفهام فيه موجود ، وانضمّ إليه معنى آخر؟ أو تجرد عن الاستفهام بالكلية؟ لا ينبغي أن يطلق أحد الأمرين ، بل منه ما تجرد كما في التسوية ، ومنه ما يبقى ، ومنه ما يحتمل ويحتمل ؛ ويعرف ذلك بالتأمل. وكذلك الأنواع المذكورة في الإثبات ؛ وهل المراد بالتقرير الحكم بثبوته ، فيكون خبرا محضا؟ أو أن المراد طلب إقرار المخاطب به مع كون السائل يعلم فهو استفهام تقرير المخاطب ، أي يطلب أن يكون مقررا به؟ وفي كلام النحاة والبيانيين ، كلّ من القولين ، وقد سبق الإشارة إليه.
***
الثامنة : الحروف الموضوعة للاستفهام ثلاثة : الهمزة ، وهل ، وأم ، وأما غيرها مما يستفهم به كمن ، [وما] (٢) ومتى ، [وأما] (٣) ، وأين ، وأنّى ، وكيف ، وكم ، وأيّان ، فأسماء استفهام ، استفهم بها نيابة عن الهمزة. وهي تنقسم إلى ما يختص بطلب التصديق ، باعتبار الواقع ، كهل وأم المنقطعة ، وما يختص بطلب التصوّر كأم المتصلة ، وما لا يختص كالهمزة. ولكون الهمزة أم الباب اختصت بأحكام لفظية ، ومعنوية.
__________________
(١) كتاب «التنبيه على شرح مشكل أبيات الحماسة» لابن جني حققه عبد المحسن خلوصي كرسالة ماجستير بجامعة بغداد (ذخائر التراث العربي ١ / ٧٤) ، وانظر كشف الظنون ١ / ٤٩٣ وبروكلمان (بالعربية) ١ / ٧٩.
(٢) ساقطة من المخطوطة.
(٣) ساقطة من المطبوعة.