الثانية : أصل الشرط والجزاء أن يتوقّف الثاني على الأول ، بمعنى أن الشرط إنما يستحق جوابه بوقوعه هو في نفسه ، كقولك : «إن زرتني أحسنت إليك» ، فالإحسان إنما استحق بالزيارة ، وقولك : «إن شكرتني زرتك» فالزيارة إنما استحقت بالشكر هذا هو القاعدة.
وقد أورد على هذا آيات كريمات (١) : منها قوله تعالى : (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ) (المائدة : ١١٨) [١٣٢ / ب] وهم عباده ، عذّبهم أو رحمهم. وقوله : (وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (المائدة : ١١٨) وهو العزيز الحكيم ، غفر لهم أو لم يغفر لهم. وقوله : (إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما) (التحريم : ٤) وصغو القلوب هنا لأمر قد وقع ، فليس بمتوقّف على ثبوته (٢).
والجواب أنّ (٣) هذه في الحقيقة ليست أجوبة ؛ وإنما جاءت عن الأجوبة المحذوفة ، لكونها أسبابا لها. فقوله : (فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ) (المائدة : ١١٨) الجواب في الحقيقة : فتحكّم فيمن يحق لك التحكّم فيه ، وذكر العبوديّة التي هي سبب القدرة. وقوله : (وَإِنْ تَغْفِرْ) (المائدة : ١١٨) فالجواب : فأنت متفضّل عليهم ، بألاّ تجازيهم بذنوبهم فكمالك غير مفتقر إلى شيء ، فإنك أنت العزيز الحكيم.
وقال صاحب «المستوفى» (٤) : اعلم أن المجازاة لا يجب فيها أن يكون الجزاء موقوفا على الشرط أبدا ، ولا أن يكون الشرط [موقوفا على الجزاء] (٥) أبدا ، بحيث يمكن وجوده ، ولا أن تكون نسبة الشرط دائما إلى الجزاء نسبة السبب إلى المسبّب ؛ بل الواجب فيها أن يكون الشرط بحيث (٦) إذا فرض حاصلا لزم مع حصوله حصول الجزاء ؛ سواء كان الجزاء قد يقع ، لا من جهة وقوع الشرط ، كقول الطبيب : من استحم بالماء البارد احتقنت الحرارة باطن جسده (٧) ، لأن احتقان الحرارة قد يكون لا عن ذلك ، أو لم يكن كذلك ؛ كقولك : إن كانت الشمس طالعة كان النهار موجودا.
__________________
(١) في المخطوطة (كثيرة).
(٢) في المخطوطة (ثبوتهما).
(٣) في المخطوطة (بأن).
(٤) تقدم آنفا ص ٤٥٤.
(٥) ساقط من المخطوطة.
(٦) تكررت العبارة في المخطوطة.
(٧) تصحفت في المخطوطة إلى (حاره).