يأتون بسحر عظيم يقرر (١) عظمته في أذهان الحاضرين فلا يرفعها (٢) ما يأتي بعدها على زعمهم. وإنما ابتدءوا بموسى فعرضوا عليه البداءة بالإلقاء على عادة العلماء والصناع في تأدبهم مع قرنائهم! ومن ثم قيل : تأدّبوا تهذّبوا. وأجيب بأنه إنما لم يؤكّد في الآية لأنه استغنى عن التأكيد بالتصريح بالأوليّة في قوله : (وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى) (طه : ٦٥) وهذا جواب بياني لا نحويّ. فإن قيل : ما وجه هذا الإطناب؟ وهلاّ (٣) قالوا : «[إما أن تلقي وإمّا] (٤) أن نلقي» (٥)؟ فالجواب من وجهين : أحدهما : لفظيّ ، وهو المزاوجة لرءوس الآي على سياق خواتمها ، من أول السورة إلى آخرها.
(والثاني) : معنوي ، وهو أنه سبحانه أراد أن يخبر عن قوة أنفس السحرة واستطالتهم عند أنفسهم على موسى ؛ فجاء عنهم باللفظ أتمّ (٦) وأوفى منه في إسنادهم الفعل إليه. ذكر ذلك ابن جنّي في «خاطريّاته» (٧) ثم أورد سؤالا وهو : إنا نعلم أن السحرة لم يكونوا أهل لسان فيذهب بهم هذا (٨) المذهب من صيغة الكلام! وأجاب بأن جميع ما ورد في القرآن حكاية عن غير أهل اللسان من القرون الخالية إنما هو من معروف معانيهم ؛ وليست بحقيقة ألفاظهم ، ولهذا (٩) لا يشك في أن قوله (٩) تعالى : (قالُوا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ يُرِيدانِ أَنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِما وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى) (طه : ٦٣) أن هذه الفصاحة لم تجر على لغة العجم.
التاسع : تصدير الجملة بضمير مبتدأ يفيد التأكيد ؛ ولهذا قيل بإفادة الحصر ، ذكره
__________________
(١) في المخطوطة (فقرر).
(٢) في المخطوطة (يرفعا).
(٣) في المخطوطة (وهذا).
(٤) ساقط من المخطوطة.
(٥) في المخطوطة (يلقي).
(٦) في المخطوطة (ثم).
(٧) تقدم التعريف بالكتاب في ٢ / ٤٣٦.
(٨) في المخطوطة (من هذا).
(٩) عبارة المخطوطة (... ولهذا لا شك أن في قوله ...).