وقال بعضهم : الناس في تلاوة القرآن ثلاثة مقامات :
* الأول : من يشهد أوصاف المتكلّم في كلامه ومعرفة معاني خطابه ، فينظر إليه من كلامه ، وتكلّمه بخطابه ، وتملّيه بمناجاته ، وتعرّفه من صفاته ، فإنّ كلّ كلمة تنبئ عن معنى اسم ، أو وصف ، أو حكم ، أو إرادة أو فعل ؛ لأن الكلام ينبئ عن معاني الأوصاف ويدل على الموصوف ، وهذا مقام العارفين من المؤمنين ، لأنه لا ينظر إلى نفسه ولا إلى قراءته ، ولا إلى تعلّق الإنعام به من حيث إنه منعم عليه ، ـ بل هو مقصور الفهم عن المتكلّم ، موقوف الفكر عليه ، مستغرق بمشاهدة المتكلم ؛ ولهذا قال جعفر بن محمد الصادق : «لقد تجلّى الله لخلقه بكلامه ، ولكن لا يبصرون».
ومن كلام الشيخ أبي عبد الله القرشي (١) : «لو طهّرت القلوب لم تشبع من التلاوة للقرآن».
* الثاني : من يشهد بقلبه كأنّه تعالى يخاطبه ويناجيه بألطافه ، ويتملقه بإنعامه وإحسانه ، فمقام هذا الحياء والتعظيم ، وحاله الإصغاء والفهم ، وهذا لعموم المقربين.
* الثالث : من يرى أنه يناجي ربّه سبحانه ، فمقام هذا السؤال والتمكّن [٦٨ / ب] ، وحاله الطلب ؛ وهذا المقام لخصوص أصحاب اليمين ؛ فإذا كان العبد يلقى السمع من بين يدي سميعه مصغيا إلى سر كلامه ، شهيد القلب لمعاني صفاته ، ناظرا إلى قدرته ، تاركا لمعقوله ومعهود علمه ، متبرئا من حوله وقوته ، معظما للمتكلم ، متفرّغا (٢) إلى الفهم ، بحال مستقيم ، وقلب سليم ، وصفاء يقين ، وقوة علم ، وتمكين سمع فصل الخطاب وشهد غيب الجواب (٣) ؛ لأن الترتيل في القرآن ، والتدبّر لمعاني الكلام ، وحسن الاقتصاد إلى المتكلم في الإفهام ، والإيقاف على (٤) المراد ، وصدق الرغبة في الطلب (٥) ، سبب للاطلاع على المطلّع من السر المكنون المستودع.
__________________
(١) هو الزبير بن بكار بن عبد الله ، أبو عبد الله القرشي الأسدي ، كان علاّمة نسابة أخباريا ، أخذ عن سفيان بن عيينة وروى عنه ابن ماجة ، وابن أبي الدنيا وغيرهما ، ولي قضاء مكة ، من تصانيفه : كتاب «أنساب قريش وأخبارها» ت ٢٥٦ ه (ياقوت ، معجم الأدباء ١١ / ١٦١).
(٢) في المخطوطة (مفتقرا).
(٣) في المخطوطة (الحجاب).
(٤) في المخطوطة (عن).
(٥) تصحفت في المخطوطة إلى (في الطلب في).