والوزير الفلاحي هو علي بن جعفر بن فلاح وزير الحاكم المستولي على مصر ، وليس بأبي نصر صدقة بن يوسف الفلاحي ، فإنه أيضا تولى الوزارة ، والأول منسوب إلى جده والثاني منسوب إلى الأول.
فصل
في ذكر كرم أبي العلاء وجوده على قلة ماله ونزارة موجوده
قد ذكرنا في الفصل المتقدم أنه لما بلغ أبا نصر هبة الله بن موسى داعي الدعاة أن (الذي) لأبي العلاء في السنة نيف وعشرون دينارا كتب إلى ثمال بن صالح بأن يجزي عليه ما يزيح به علته ، وأنه امتنع من قبول ذلك ، وهذا كان مقدار ما يدخل له من ملكه في معرة النعمان. وقد كان مع هذا يجري منه على جماعة من الكتاب يكتبون عنه ما يمليه وما ينظمه وينشيه ، وكان يعطي منه لخادم يخدمه ، ولا يقنع بالدفع إلى هؤلاء ، حتى إنه كان يدفع منه شيئا لأولي الحاجة ممن يتردد إليه. فقد أخبرنا عمر بن محمد بن معمر المؤدب في كتابه ، وقد سمعت منه بحلب عن أبي الفضل محمد بن ناصر الحافظ قال : حدثنا أبو زكريا التبريزي قال : كان المعري يجري رزقا على جماعة ممن كان يقرأ عليه ويتردد لأجل الأدب إليه.
وقرأت بخط أبي الفرج محمد بن أحمد بن الحسن الكاتب الوزير زورنامج أنشأه لولده الحسن يذكر فيه رحلته في سنة ثمان وعشرين وأربعمائة إلى الحج من آذربيجان وعبوره بمعرة النعمان ، ويذكر اجتماعه بأبي العلاء ، وذكر فصلا في تقريظه والثناء ، وسنورده بكماله في بعض الفصول التي ترد في هذا الكتاب. ومن جملة ذلك قوله : وقصر همّه على أدب يفيده وتصنيف يجيده ومتعلم يفضل عليه ومسترفد صعلوك يحسن إليه.
قال : وله دار حسنة يأويها ، ومعاش يكفيه ويمونه ، وأولاد أخ باق يخدمونه ويقرؤون بين يديه ويدرسون عليه ويكتبون له ، وورّاق برسمه مستأجر. ثم ينفق على نفسه من دخل معاشه نفقة طفيفة ، وما يفضل عنه يفرقه على أخيه وأولاده واللائذين به وللفقراء والقاصدين له من الغرباء.