قصدتك طلّاب العلوم ولا أرى |
|
للعلم بابا بعد بابك يقرع |
مات النهى وتعطلت أسبابه |
|
وقضى التأدّب والمكارم أجمع |
قال الشيخ المواهبي الحلبي في مجموعته : قال السلفي : سمعت أبا المكارم بأبهر ، وكان من أفراد الزمان ثقة مالكي المذهب ، قال : لما توفي أبو العلاء اجتمع على قبره ثمانون شاعرا وختموا في أسبوع واحد على القبر مائتي ختمة.
كلمتنا في أبي العلاء رحمهالله :
إن ما قيل إنه له مما يدل على التعطيل وإنكار المعاد إما أن يكون مدسوسا عليه بقصد إيذائه ، كما ذكر ذلك الكمال بن العديم ، وقد وقع ذلك لغيره من العلماء كالشيخ محيي الدين بن عربي والشيخ عبد الوهاب الشعراني ، ولما علم أن الناس قد افتروا عليه أنشد :
وقد نطقوا مينا على الله وافتروا |
|
فما لهم لا يفترون عليكا |
وإما أن يكون مما قاله لكنه يكون قابلا للتأويل ، ويمكن حمله على معنى صحيح إذا تأمله المتأمل ذو البصيرة ودقق في المعنى الذي قصده.
وإما أن يكون مما قاله في أول نشأته وفي عنفوان شبابه ، وقد استولت في ذلك الحين عليه الحيرة وداخلته الشكوك والظنون ، كما قاله ابن دقيق العيد ، ولذا كان يناقض نفسه في شعره ، يسلم تارة وينفي أخرى.
ومنشأ ذلك أن الكثير من الطلاب الأذكياء يفتح عليهم في مبدأ أمرهم باب الغرور والإعجاب بالنفس ، وذلك حينما يرون أنفسهم أنهم قد حصلوا في مدة قليلة ما لم يحصله غيرهم في سنين كثيرة ، فتثور في نفوسهم ثائرة الدعوى والتطاول على الأقران ، ويؤديهم الإعجاب بالرأي إلى التكلم بمقتضى أهوائهم وعلى حسب ما توحيه إليهم ضمائرهم ، وإن كان ذلك من الحقيقة في مكان بعيد.
تبقى هذه حالتهم يتخبطون في دياجي الشكوك وتتقاذفهم أمواج الحيرة والأوهام ، إلى أن تتوسع فيهم دائرة المعرفة وينضج علمهم ويبعد بواسطة كثرة الاطلاع وإعمال الفكر نظرهم ، فهناك ينتبهون بعد غفلتهم ، ويستيقظون بعد رقدتهم ، ويعودون إلى الطريقة المثلى والمنهاج القويم.