المخلوق ، وتلوت شيئا من كلام الخالق ، فلحقني ما ترى. فتحققت صحة دينه وصحة يقينه.
شعر أبي العلاء في نظر العلماء والأدباء :
قال الإسكندري (١) : وكان أبو العلاء أحكم من رأى الناس بعد المتنبي ، ويزيد عليه في الغريب والأخيلة الدقيقة والتكلم في الطبائع ووسائل الاجتماع وعادات الناس وأخلاقهم ومكرهم وظلمهم ، ونظام الحكومات والقوانين والشرائع والأديان ، ولذلك يفضله الإفرنج ومستعربوهم عليه ، وهو في هذه الأمور معدوم النظير ، ولم ينظم في الملة أحد غيره فيها.
وشعره في المدائح والمراثي والوصف وبقية أغراض الشعر الأدبية أرق من شعره في النقد والفلسفة. إلا أن أكثر شعره من هذا القبيل ضمنه لزوم ما لا يلزم ، فتقيد فيه بقيود حبست أفكاره ونهكت معانيه ، فجاءت ألفاظه فيه غريبة وأساليبه معقدة ، وعندنا أن هذا أمقت شذوذ له ، وإلا فما للفيلسوف والقيود اللفظية ، وقد كان له في نظم الأفكار التي لم تخطر على قلب أحد سواه غنية وشهادة على براعته وسبقه. ولله في خلقه شؤون ا ه.
ذكر وفاته وبعض ما رثي به :
قال ابن خلكان : توفي ثاني شهر ربيع الأول ، وقيل ثالث عشرة سنة تسع وأربعين وأربعمائة بالمعرة. وبلغني أنه أوصى أن يكتب على قبره هذا البيت :
هذا جناه أبي علي |
|
وما جنيت على أحد |
وكان مرضه ثلاثة أيام ، ومات في اليوم الرابع ، ولم يكن عنده غير بني عمه ، فقال لهم في اليوم الثالث : اكتبوا عني ، فتناولوا الدويّ والأقلام ، فأملى عليهم غير الصواب. فقال القاضي أبو محمد عبد الله التنوخي : أحسن الله عزاءكم في الشيخ ، فإنه ميت. فمات ثاني يوم. ولما توفي رثاه تلميذه أبو الحسن علي بن همام بقوله :
إن كنت لم ترق الدماء زهادة |
|
فلقد أرقت اليوم من جفني دما |
__________________
(١) في كتابه آداب اللغة العربية «ص ٢٧٩».