وقد علم الله اغتمامي لفقد حضرته ، واستيحاشي لخلو الدنيا من بركته ، واهتمامي بما عدمت من النصيب الموفور من أدعيته ا ه.
الكلام على المدرسة العصرونية
قال أبو ذر في كنوز الذهب : كانت روضة العلماء ، وكانت أولا دارا لأبي الحسن علي بن أبي الثريا وزير بني مرداس ، فانتقلت إلى نور الدين بالطريق الشرعي فجعلها مدرسة وجعل فيها مساكن للمرتبين بها من الفقهاء ، وذلك في سنة خمسين وخمسمائة ، واستدعى لها من حلّ بناحية سنجار ابن أبي عصرون ، فلما وصل إلى حلب ولي تدريس المدرسة المذكورة والنظر فيها ، وهو أول من درّس بها فعرفت به. وبنى له نور الدين مدرسة بمنبج وبحماة وحمص وبعلبك ودمشق ، وفوض إليه أن يولي التدريس فيها من شاء ، قاله ابن شداد. قلت : وعلى بابها مكتوب بتولي ابن أبي عصرون. وهذه المدرسة بلغني من المتقدمين أنها محصورة ، والدليل على ذلك ما تقدم من قول ابن شداد أنه جعل فيها مساكن للمرتبين بها. وهذه المدرسة يدخل إلى داخلها بدرج ، ولها باب آخر من الغرب ، وبها قاعة لمدرسها ، ووقف لها واقفها أوقافا حوانيت وقرى داخل حلب وخارجها. ثم بعد المحنة التيمرية لما قدم المؤيد إلى حلب جدد سوقها وجعله نصفين نصفا لمدرسته بالقاهرة ونصفا لهذه المدرسة وذلك بطريق شرعي ، فجزاه الله خيرا لأنه كان قادرا على استيجاره بأجرة بخسة ، وذلك بإشارة شيخنا المؤرخ وتكلمه مع القاضي ناصر الدين بن البارزي كاتب سره ، وقام بعمارته القاضي شهاب الدين بن السفاح ، ورتب والدي الفقهاء على السوق المذكور. وفي سنة أربع وسبعين (وثمانمائة) عدد الفقهاء المرتبين بها فوق المائة. ثم قال ما خلاصته :
أن القاضي عبد الله بن عصرون لم يزل متوليا أمر تدريس هذه المدرسة تدريسا ونظرا إلى أن خرج إلى دمشق سنة سبعين وخمسمائة ، ولما خرج استخلف فيها ولده نجم ، ولم يزل بها إلى أن ولي قضاء حماة ، فخرج عنها واستناب فيها ابن أخيه عبد السلام. وهنا ساق أبو ذر أسماء من ولي التدريس بها بما يطول ذكره إلى أن قال : وبعد المحنة التيمورية درّس بها شيخنا المؤرخ دروسا حافلة سيما لما أن كافل حلب قصروه اعتنى بعمارة المدارس ، فعمر شيخنا المدرسة المذكورة ودرّس بها وحضر معه الكافل وفضلاء حلب