لو علمنا أننا ما نلتقي |
|
لقضينا من سليمى الوطرا |
أي لو علمنا أننا بعد الخلاص من أقفاص هذه الحياة لا نجد شيئا أي لا حشر هناك ولا نشر لتركنا هذه النفس تشرح في ميادين الشهوات وتتمتع بملاذ هذه الحياة ، ولكن لعلمنا أن الحشر والنشر والعذاب والنعيم أمور واقعة لا محالة أعرضنا عن زهرة الحياة الفانية ووجهنا القلوب إلى ما فيه البقاء السرمدي والنعيم الأبدي وهو الحياة الأخروية كما قال الله تعالى : (وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى)(١).
وماذا نطلب منه رعاك الله بعد إيمانه بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وقد تقرر أنه لا يخرج الإنسان من الإيمان إلا ما أدخله فيه.
وربما يشتم من قوله : (فز بالنعيم فإن عمرك ينفد) إنكاره لأمر المعاد ، مع أن تأويل هذه الأبيات وحملها على محمل حسن بل على معنى شريف عمل سهل على من تأمل فيها قليلا وكان له أدنى ذوق في فهم المعاني.
والخلاصة أن من تأمل في أدعية هذا الرجل وكلامه هنا وفي كتابه «هياكل النور» ونظمه الذي أوردناه خصوصا الأبيات التي أنشدها عند مماته يستدل على أنه كان رجلا من أعاظم الرجال الذين سمت إلى العلياء نفوسهم ، وزهدوا في هذه الحياة الفانية ، وتيقنوا أنها عرض ، ووجهوا قلوبهم إلى الله تعالى ، وأقبلوا بكليتهم إلى جناب قدسه.
والذي يتراءى لنا من شعره أنه شعر رجل صدّيق لا شعر رجل زنديق والله أعلم بخفايا الصدور وضمائر القلوب.
١٣٦ ـ أبو بكر بن مسعود الكاساني
صاحب بدائع الصنائع المتوفى سنة ٥٨٧
أبو بكر بن مسعود بن أحمد الكاساني ملك العلماء علاء الدين ومصنف «البدايع» الكتاب الجليل. أنشدني من شعره في منتصف شوال سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة ووجد ذلك بخطه على نسخة بخط يده من البدايع :
__________________
(١) الضحى : ٤.