١٧٦ ـ أبو عبد الله ياقوت الحموي المتوفى بحلب سنة ٦٢٦
أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله الرومي الجنس الحموي المولد البغدادي الدار الملقب شهاب الدين ، أسر من بلاده صغيرا ، وابتاعه ببغداد رجل تاجر يعرف بعسكر ابن أبي نصر إبراهيم الحموي وجعله في الكتاب لينتفع فيه في ضبط تجارته ، وكان مولاه عسكر لا يحسن الخط ولا يعلم شيئا سوى التجارة ، وكان ساكنا ببغداد ، وتزوج بها وأولد عدة أولاد ، ولما كبر ياقوت المذكور قرأ شيئا من النحو واللغة ، وشغله مولاه بالأسفار في متاجره ، فكان يتردد إلى كيش وعمان وتلك النواحي ويعود إلى الشام. ثم جرت بينه وبين مولاه نبوة أوجبت عتقه فأبعده عنه ، وذلك في سنة ست وتسعين وخمسمائة ، فاشتغل بالنسخ بالأجرة ، وحصل بالمطالعة فوائد. ثم إن مولاه بعد مدة ألوى عليه وأعطاه شيئا وسفره إلى كيش ، ولما عاد كان مولاه قد مات فحصل شيئا مما كان في يده وأعطى أولاد مولاه وزوجته ما أرضاهم به ، وبقيت بيده بقية جعلها رأس ماله ، وسافر بها وجعل بعض تجارته كتبا.
وكان متعصبا على علي بن أبي طالب رضياللهعنه ، وكان قد طالع شيئا من كتب الخوارج فاشتبك في ذهنه منه طرف قوي ، وتوجه إلى دمشق في سنة ثلاث عشرة وستمائة وقعد في بعض أسواقها وناظر بعض من يتعصب لعلي رضياللهعنه ، وجرى بينهما كلام أدى إلى ذكره عليا رضياللهعنه بمالا يسوغ ، فثار الناس عليه ثورة كادوا يقتلونه ، فسلم منهم وخرج من دمشق منهزما بعد أن بلغت القضية إلى والي البلد ، فطلبه فلم يقدر عليه ، ووصل إلى حلب خائفا يترقب ، وخرج عنها في العشر الأول أو الثاني من جمادي الآخرة سنة ثلاث عشرة وستماية ، وتوصل إلى الموصل ، ثم انتقل إلى إربل وسلك منها إلى خراسان ، وتحامى دخول بغداد لأن المناظر له بدمشق كان بغداديا ، وخشي أن ينقل قوله فيقتل ، فلما انتهى إلى خراسان أقام يتجر في بلادها ، واستوطن مدينة مرو مدة وخرج عنها إلى نسا ومضى إلى خوارزم ، وصادفه وهو بخوارزم خروج التتر في سنة ست عشرة وستمائة ، فانهزم بنفسه كبعثه يوم المحشر من رمسه ، وقاسى في طريقه من المضايقة والتعب ما كان يكل عن شرحه إذا ذكره ، ووصل إلى الموصل وقد تقطعت به الأسباب ، وأعوزه دنيء المآكل وخشن الثياب ، وأقام بالموصل مدة مديدة ، ثم انتقل إلى سنجار ، وارتحل منها إلى حلب وأقام بظاهرها في الخان ، إلى أن مات في التاريخ الآتي ذكره إن شاء الله تعالى.