ومنبج وسورية وحماة ومعرة النعمان وكفر طاب وغيرها من بلاد الإسلام وتغلبوا عليها ، وكانوا على دين النصرانية ، فامتنعوا على أداء الجزية وقالوا : ما نؤدي ما يقع عليه اسم الجزية ، وكانوا أهل قوة وبأس ، فلما سار عمر رضياللهعنه إلى الشام قدموا عليه فقال : ما أقنع منكم إلا بالدخول في الإسلام أو السيف ، وأمهلهم سنتين. ثم إنه ألزهم ما يلزم أهل الذمة من جزية فأبوا عليه وقالوا : خذ المال منا على اسم الصدقة دون اسم الجزية ، فأبى عمر ، ثم أجابهم إلى أن يأخذها على اسم الخراج ، فاستجاب له قوم منهم وأقاموا بديارهم. وكان منهم أجداد أبي العلاء وأجداد بني الفصيص ولاة قنسرين ، وأسلم بعضهم في أيام أبي عبيدة وبعضهم في أيام المهدي بن المنصور ، ودخل منهم قوم إلى بلاد الروم مع جبلة (بن) الأيهم في النصرانية.
وتنوخ من أكثر العرب مناقب وحسبا ، ومن أعظمها مفاخر وأدبا ، وفيهم الخطباء والفصحاء والبلغاء والشعراء ، وهم يرجعون إلى بطنين : الساطع والحرّ. وبنو الساطع هم المشهورون بالشرف والسؤدد والرياسة والشجاعة والجود والفضل ، وبيوت المعرة منهم ، وهم يرجعون إلى أسحم بن الساطع وعدي بن الساطع وغنم بن الساطع ، فبنو سليمان وبنو أبي حصين وبنو عمرو ينتسبون إلى أسحم بن الساطع ، وبنو المهذب وبنو زريق ينتسبون إلى عدي بن الساطع ، وبنو حواري وبنو جهير ينتسبون إلى غنم بن الساطع. وجهير بن محمد التنوخي ولي معرة النعمان ، وأكثر قضاة المعرة وفضلائها وعلمائها وشعرائها وأدبائها من بني سليمان ، وهو سليمان بن داود بن المطهّر.
وحيث انتهى بنا القول إلى التنبيه على كثرة القضاة والفضلاء من بني سليمان فلنذكر الآن من اشتهر منهم بذلك بمعرة النعمان :
فمنهم : أبو الحسن سليمان بن أحمد بن سليمان بن داود بن المطهر هو أول من تولى منهم معرة النعمان. وقال بعض الناس : إنه ولي قضاءها في سنة تسعين ومائتين إلى أن مات ، وبعضهم يقول : إن الذي تولى القضاء سنة تسعين ومائتين هو ابنه ، وهذا هو جدّ جدّ الشيخ أبي العلاء ، ومنهم ولد المذكور وهو جد أبي الشيخ أبي العلاء أبو بكر محمد بن سليمان بن أحمد ، ولي القضاء بمعرة النعمان بعد موت أبيه في حدود الثلاثمائة ، وقيل هو الذي تولى سنة ٢٩٠ ، وكان فاضلا أديبا ممدوحا ، وفيه يقول أبو بكر الصنوبري :