والمهذب المذكور هو الشيخ أبو الحسن المهذب ابن (١) ... في أكل الطيبات وقهرا للنفس ، وقال له في آخر كلامه : وما حثني على ترك أكل الحيوان (٢) أن الذي لي في السنة نيف وعشرون دينارا ، فإذا أخذ خادمي بعض ما يجب بقي لي ما لا يعجب ، واقتصرت على فول وبلسن وما لا يعذب على الألسن. فأجابه بجواب يطلب فيه تحقيق القول ويقول في آخر رسالته : وقد كاتبت مولاي تاج الأمراء يعني ثمال بن صالح أن يتقدم بإزالة العلة فيما هو بلغة مثله من ألذ الطعام ومراعاته به على الإدرار والدوام ، لتكشف عنه غاشية هذه الضرورة ، ويجري في أمر معيشته على أحسن ما يكون من الصورة. فامتنع أبو العلاء من قبول ذلك وأجابه بجواب دفع ذلك عنه (٣). وسنذكر المراسلات بينهما إن شاء الله تعالى فيما يجيء من فصول هذا الكتاب ، والله الموفق للصواب.
فصل
في ذكر اضطلاعه بالعلم والأدب ومعرفته باللغة ولسان العرب
أخبرنا أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي فيما أذن لنا فيه ، وقد قرأت عليه غير ذلك فقال : أخبرنا أبو السعادات هبة الله بن العلوي المعروف بابن الشجري قال : حدثني أبو زكريا التبريزي قال : ما أعرف أن العرب نطقت بكلمة ولم يعرفها المعري ، ولقد اتفق قوم ممن يقرأ عليه ووضعوا حروفا وألّفوها كلمات وأضافوا إليها من غريب اللغة ووحشيها كلمات أخرى ، وسألوه عن الجميع على سبيل الامتحان ، فكان كلما وصلوا إلى كلمة مما ألّفوه ينزعج لها وينكرها ويستعيدها مرارا ، ثم يقول : دعوا هذه ، والألفاظ اللغوية
__________________
(١) هنا نقص من الأصل.
(٢) هذه العبارة في آخر رسالته الثانية إلى أبي نصر بن أبي عمران كما في المعجم.
(٣) حيث قال في آخر رسالته الرابعة إليه كما في المعجم أيضا : وود العبد الضعيف العاجز لو أن قلعة حلب وجميع بلاد الشام جعلها الله ذهبا لينفقه تاج الأمراء ونصير الدولة النبوية على إمامها عليهالسلام ، وكذلك على الأئمة الطاهرين من آبائه من غير أن يصير إلى العبد الضعيف من ذلك قيراط.
وهو يستحي من حضرة تاج الأمراء أن ينظر إليه بعين من رغب في العاجلة بعدما وهب ، وهو رضي أن يلقى الله جلت قدرته ، وهو لا يطالب إلا بما فعل من اجتناب اللحوم ، فإن وصل إلى هذه الرتبة فقد سعد.