الدين ، وكلاهما من مدرسي المدرسة النظامية المشهورة في بغداد كما ذكره ابن خلكان في ترجمتهما ، ولما شاهد المترجم تلك المدرسة العظيمة ورقّي العلم في بغداد في ذلك العصر الزاهر أثر ذلك في نفسه ، ولما عاد إلى وطنه أشار على صاحب حلب وقتئذ سليمان بن عبد الجبار في ذلك وشرعا في بنائها ونسبت إليهما ، وتهافت الناس بعد ذلك على تشييد المدارس والخوانك وغير ذلك من الآثار الخيرية ، فانتشر العلم ونفقت أسواقه في هذه البلاد وتقدمت به تقدما عظيما ، والفضل في ذلك يرجع إلى هذا الإمام الكبير. فرحمهالله رحمة واسعة وأجزل له الثواب بمنه وكرمه.
ولا بأس بهذه المناسبة أن نذكر أول من بنى المدارس في الإسلام فإنه مما تتوق إلى معرفته النفوس فنقول : قال أبو ذر في أول كلامه على مدارس حلب :
أول من بنى المدارس في الإسلام
قال بعضهم : أول من بنى المدارس نظام الملك قوام الدين الحسن بن علي الطوسي. بنى مدرسة بنيسابور ومدرسة بالبصرة ومدرسة بمرو ومدرسة بآمد طبرستان ومدرسة بالموصل. قال الحافظ الذهبي : زعم بعضهم أنه أول من بنى المدارس وليس كذلك ، فقد كانت المدرسة البيهقية بنيسابور قبل أن يولد نظام الملك ، والمدرسة السعدية بنيسابور أيضا بناها الأمير نصر بن سبكتكين أخو السلطان محمود لما كان واليا بنيسابور ، ومدرسة ثالثة بنيسابور بناها إسماعيل بن علي المثنى الأسترابادي الواعظ الصوفي شيخ الخطيب ، ومدرسة رابعة أيضا بنيسابور بنيت للأستاذ أبي إسحق الأسفرايني. وقال الحاكم في ترجمة الأستاذ أبي إسحاق : لم يبن بنيسابور مدرسة قبلها مثلها. وهذا صريح في أنه بني قبلها غيرها ، والغالب على الظن أن نظام الملك أول من رتب فيها المعاليم للطلبة ، فإنه لم يكن لهم في المدارس التي قبلها معلوم ، وكان بناء النظامية ببغداد سنة تسع وخسمين وأربعمائة.
ورأيت في كلام بعضهم : فتحت يوم السبت عاشر ذي القعدة من السنة المذكورة ، وشرع في عمارتها سنة سبع وخمسين.
وترجمة نظام الملك طويلة ، قتل في رمضان سنة خمس وثمانين وأربعمائة بقرية قريبة من نهاوند ، وقيل إن السلطان ملكشاه دس عليه من قتله ، ولم يعش السلطان بعده إلا خمسة وثلاثين يوما والله تعالى أعلم.