موضعين ، ولعل هذين البيتين يفضلان على ذلك ، فقلنا له : وما ذلك الكلام؟ فقال : حكي أن صالح بن مرداس صاحب حلب نزل على معرة النعمان محاصرا ونصب عليها المناجيق ، واشتد في الحصار لأهلها ، فجاء أهل المدينة إلى الشيخ أبي العلاء لعجزهم عن مقاومته ، لأنه جاءهم بما لا قبل لهم به ، وسألوا أبا العلاء تلافي الأمر بالخروج إليه بنفسه وتدبير الأمر برأيه ، إما بأموال يبذلونها أو طاعة يعطونها ، فخرج ويده في يد قائده ، وفتح الناس له بابا من أبواب معرة النعمان ، وخرج منه شيخ قصير يقوده رجل ، فقال صالح : هو أبو العلاء فجيئوني به ، فلما مثل بين يديه سلم عليه ثم قال : الأمير أطال الله بقاءه كالنهار الماتع قاظ وسطه وطاب أبرداه ، أو كالسيف القاطع لان متنه وخشن حداه (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) فقال صالح : (لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ) قد وهبت لك المعرة وأهلها ، وأمر بتقويض الخيام والمناجيق فنقضت ، ورحل ، ورجع أبو العلاء وهو يقول :
نجّى المعرة من براثن صالح |
|
رب يعافي كلّ داء معضل |
ما كان لي فيها جناح بعوضة |
|
الله ألحفهم جناح تفضّل |
ذكاء أبي العلاء :
ومما يذكر من شدة ذكائه ما ذكره في ثمرات الأوراق لابن حجة الحموي نقلا عن الحافظ اليعمري قال : إن أبا نصر المنازي ، واسمه أحمد بن يوسف ، دخل على أبي العلاء المعري في جماعة من أهل الأدب ، فأنشد كل واحد منهم من شعره ما تيسر ، فأنشد أبو نصر في وادي بطنان (في الباب) :
وقانا لفحة الرمضاء واد |
|
سقاه مضاعف الغيث العميم |
نزلنا دوحة فحنا علينا |
|
حنوّ الوالدات على الفطيم |
وأرشفنا على ظمأ زلالا |
|
ألذّ من المدامة للنديم |
يصد الشمس أنّى واجهتنا |
|
فيحجبها ويأذن للنسيم |
تروع حصاه حالية العذارى |
|
فتلمس جانب العقد النظيم |
فقال أبو العلاء : أنت أشعر من بالشام ، ثم رحل أبو العلاء إلى بغداد فدخل المنازي عليه في جماعة من أهل الأدب ببغداد ، وأبو العلاء لا يعرف منهم أحدا ، فأنشد كل واحد