سبقت العالمين إلى المعالي |
|
بصائب فكرة وعلوّ همّه |
ولاح بحكمتي نور الهدى في |
|
ليال بالضلالة مدلهمّه |
يريد الجاهلون ليطفئوه |
|
ويأبى الله إلا أن يتمّه |
تفقه صاحب البدايع على محمد بن أحمد بن أبي أحمد السمرقندي المنعوت بعلاء الدين ، وقرأ عليه معظم تصانيفه مثل «التحفة» في الفقه وغيرها من كتب الأصول ، وزوجه شيخه المذكور بإبنته فاطمة الفقيهة العالمة. قيل إن سبب تزويجه بابنة شيخه أنها كانت من حسان النساء ، وكانت حفظت التحفة تصنيف والدها ، وطلبها جماعة من ملوك بلاد الروم فامتنع والدها ، فجاء الكاساني ولزم والدها واشتغل عليه وبرع في علمي الأصول والفروع وصنف كتاب البدايع وهو شرح التحفة وعرضه على شيخه ، فازداد فرحا به وزوجه ابنته وجعل مهرها منه ذلك ، فقال الفقهاء في عصره : شرح تحفته وتزوج ابنته. وأرسل رسولا من ملك الروم إلى نور الدين محمود بحلب ، وسبب ذلك أنه تناظر مع فقيه ببلاد الروم في مسألة المجتهدين هل هما مصيبان أم أحدهما مخطىء ، فقال الفقيه : المنقول عن أبي حنيفة أن كل مجتهد مصيب ، فقال الكاساني : لا ، بل الصحيح عن أبي حنيفة أن المجتهدين مصيب ومخطىء والحق في جهة واحدة ، وهذا الذي تقوله مذهب المعتزلة ، وجرى بينهما كلام في ذلك ، فرفع الكاساني على الفقيه المقرعة ، فقال ملك الروم : هذا افتيات على الفقيه ، فاصرفه عنا ، فقال الوزير : هذا رجل كبير ومحترم ولا ينبغي أن يصرف ، بل ننفذه رسولا إلى الملك نور الدين محمود ، فأرسل إلى حلب ، وكان قبل ذلك قدم الرضي السرخسي صاحب «المحيط» إلى حلب فولاه نور الدين الحلاوية ، واتفق عزله كما ذكرته في ترجمته ، فولى السلطان صاحب البدايع الحلاوية عوضه بطلب الفقهاء ذلك منه ، فتلقاه الفقهاء بالقبول ، وكانوا في غيبته يبسطون له السجادة ويجلسون حولها في كل يوم إلى أن يقوم.
وله غير «البدايع» من المصنفات منها «السلطان المبين» في أصول الدين.
قال ابن العديم : سمعت أبا عبد الله محمدا قاضي العسكر يقول : لما قدم الكاساني إلى دمشق حضر إليه الفقهاء وطلبوا منه الكلام معهم في مسألة. فقال : لا أتكلم في مسألة فيها خلاف أصحابنا ، فعينوا مسائل كثيرة ، فجعل كلما ذكروا مسألة يقول : ذهب إليها من أصحابنا فلان وفلان ، فلم يزل كذلك حتى إنهم لم يجدوا مسألة إلا وقد ذهب إليها