أحدهما ، وقلنا أن التخيير إبتدائي ، فلا يجوز أن يأخذ بغير ما أختار ، فيتعين شرعا فيفتي للمقلد بالتعيين ، ولا ريب أنه لا حظّ للمقلد في الالتزام بمؤديات الطرق ، لا تعيينا ولا تخييرا ، لأنه وظيفة المجتهد ، ووظيفة المقلد هو : الالتزام بما يفتي له مجتهده بعد الالتزام بمؤديات الطرق.
نعم له دليل واحد إجمالي مطرد في جميع المسائل ، بقوله : هذا ما افتى به المفتي ، وكلما أفتى به المفتي فهو حجة في حقي ، فهذا حجة في حقي (لأنه) أي التخيير (حكم للمتحير وهو المجتهد) إذ التخيير حكم ، وموضوعه التحير في الطريق بإن المجتهد لا يدري بأيهما يأخذ ويفتي ، والمقلد وأن كان جاهلا لكن مطلق الجاهل بشيء لا يسمى متحيرا في ذلك الشيء ، وأنما يصدق عليه هذا العنوان إذا كان مبتلى به ، ولا بد له من عمل فيه فينحصر في المجتهد إذ المقلد لمكان عجزه لا يلزمه التصدي لتعيين الطريق الفعلي من المتعارضين ، لان المتحير هو : ما يعبر عنه بالفارسية به ـ درمانده وحيران ـ وهو لا يصدق الأعلى من ليس له بدّ من العمل ، مع علمه في كيفية العمل.
ألا ترى أن من لم يرد الذهاب الى بغداد لكنه جاهل بطريقه ، لا يصدق عليه أنه متحير في طريق بغداد ، بل يقال : أنه جاهل به ، بخلاف من أراد الذهاب إليه مع جهله بطريقه ، فيصدق عليه أنه متحير في طريقه.
أن قلت : إذا كان فتوى المجتهد الحكم ببقاء الحالة السابقة لأجل حجية الاستصحاب فيفتي للمقلد من تيقن في الطهارة وشك في الحدث بني على الطهارة ، أو بالعكس من تيقن في الحدث وشك في الطهارة فيتطهر ، فكما أن الاستصحاب وظيفة المجتهد والمقلد ، هكذا اذا حصل التحير للمجتهد في تعارض الخبرين وكان فتواه الحكم بالتخيير ، فلا بد أن يفتي للمقلد أيضا بالتخيير لا بما أختار.
قلنا : (ولا يقاس هذا) الحكم الفرعي أعني مسئلة التخيير (بالشك الحاصل للمجتهد في بقاء الحكم الشرعي) لأن الاستصحاب حكم شرعي