مثل أن يقال : توضأ الا في صورة الحرج ، واغتسل ألّا في صورة الحرج ، وهكذا بحيث ان يكون دليل الحاكم على وجه لو فرض عدم ورود المحكوم عليه ، لكان لغوا ، وعاريا عن الفائدة ، مثلا لو لم يجب الوضوء والغسل ونحوهما لكان : ما جعل عليكم في الدّين من حرج (١) لغوا.
وهذا بخلاف المتعارضين ، بحيث لو لم يكن التنافي ابدا لم يصر الأوّل لغوا ، مثلا لو لم يكن دليل : أكرم العلماء لكان لا تكرم النحاة دليلا مستقلا ولم يصر لغوا ، وأما الورود ، فهو : عبارة عن رفع أحد الدليلين موضوع الآخر كأدلة الاجتهادية بالنسبة الى الأصول العقلية ، فأنّ موضوع البراءة وقبح العقاب هو : عدم البيان ، فمع وجود الحجّة المعتبرة ، ينتفي الموضوع والتخصّص أيضا كذلك لكن بلا عناية من الشرع ، ومن دون حاجة الى التعبد ، كما اذا قام الدليل على وجوب إكرام العالم ، وعلمنا بأنّ زيدا ليس من العلماء ، فهناك خروج زيد عن دائرة الحكم معلوم وجدانا ، من دون تعبد وهذا يسمّى بالتخصّص.
فانقدح الفرق بين الورود والتخصّص ، وأنّ أحدهما وهو الورود خروج موضوعي ببركة التعبد ، والثاني : وهو التخصّص أيضا كذلك أي خروج موضوعي بلا حاجة الى التعبد ، بل وجدانا ، وظهر الفرق بين الحكومة والتخصيص كما شرحناه ، فظهر أنّ التعارض أنّما يكون اذا كان موضوع المتعارضين موجودا كما في أكرم العلماء ، ولا تكرم النحاة ، لأنّ النحوي أيضا عالم ، فأكرم يثبت الوجوب له ، ولا تكرم النّحاة يحرّم الاكرام ، فهنا يكون مورد التعارض ، ألّا أنّ العرف يرجّح التخصيص ، وأمّا الورود فليس كذلك ، لأنّ أحد الدليلين يثبت الحكم على صورة الشك ، مثلا اذا شككت بين الأقل والأكثر فأبن على الأكثر (٢) فاذا علم عدد الركعات يبني على علمه ، لأنّ موضوع الشك مرتفع
__________________
(١) الحج : ٧٨.
(٢) الوسائل : الجزء ٥ ص ـ ٣١٨. (الرواية : ٣).